مع نهاية شهر جوان، تصل عملية طويلة استغرقت سنين إلى لحظة محورية: إقرار البرلمان لقانون يؤسس لنشاط اقتصادي من فئة جديدة، الاقتصاد الاجتماعي والتضامني – وهو أحد القوانين المستجدة في السنوات الأخيرة، مثل قانون الاستثمار الجديد، وقانون المؤسسات الناشئة، وقانون المبادر الذاتي – ويهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد. يتفق مؤيدو هذا القانون أنه سيساعد الاقتصاد، لكنهم يختلفون أشد الاختلاف حول معنى الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ومن المستفيد منه.
يحمل القانون الجديد في طياته وعودا للبعض بجعل حياتهم أسهل.
قال عدنان بن حاج يحيى لـ”مشكال”: “مصلحة الضرائب، الفيسك، دائماً ما تقض مضجعي”.
شارك بن حاج يحيى في تأسيس “إل سبايس”، وهي مساحة عمل مشتركة تقدم نفسها على أنها “مركز للابتكار الاجتماعي”. تم تسجيل “إل سبايس” بصفتها “جمعية”، وهي فئة قانونية تشمل جميع المؤسسات الخيرية وغير الربحية والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام. لكن شركة “إل سبايس” تحقق بعض الأرباح وتعيد استثمارها في توسيع عملياتها، الأمر الذي جعل السلطات ترمى بأصابع الاتهام نحو بن حاج يحيى، زاعمة أن ما يفعله يكاد يكون “تهربا ضريبيا”. يعتقد بن حاج يحيى أن المشكلة تكمن في عدم وجود فئة قانونية بين الشركات الربحية والجمعيات غير الربحية. لكن الأمر تغير اليوم.
يقول بن حاج يحيى، مشيرًا إلى أحد الشروط الواردة في المادة 4 من القانون الجديد “بفضل هذا القانون يمكنني تسجيل “إلسبايس” بصفتها مشروعا اجتماعيا [وتضامنيا]، مما يخول للمستثمرين أو أصحاب الأسهم من الانتفاع بحصص بنسبة لا تتجاوز 25 بالمائة من الأرباح كحد أقصى”. وتتعلق هذه المادة بقوانين المحاسبة المعقدة التي ستخضع لها المؤسسات التي تحمل علامة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
اعتمدت جل الجمعيات التي نشأت منذ ثورة 2011 نموذج المنح مع التركيز على مواضيع متنوعة لخدمة الصالح العام باعتمادات تساهم فيها منظمات التنمية الدولية. أثار هذا النموذج انتقادات عديدة منها تأثير فاعلين دوليين نافذين في سياسات تونس واستمرار أنماط العمل الاستعمارية و“تطويع” النشاط الشبابي أو تحويل النشطاء إلى مديري مشاريع، فضلا عن تغير أولويات التمويل وإثارة تساؤلات حول استدامة هذا النموذج التمويلي، إلى غيرها من التساؤلات.
أما فيما يتعلق بمسألة الاستدامة المالية فيفتح نموذج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني آفاقا جديدة لمجموعات المجتمع المدني أو على الأقل يسمح للجمعيات التي تحقق أرباحًا بطرق غير رسمية أن تضفي الطابع الرسمي على ما تزاوله من نشاط في نظر الدولة وما يمثلها من سلط.
صرح حسام عوادي، وهو مستثمر ملاك ورجل أعمال يساند تحرير الاقتصاد التونسي، قائلا “سيحول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بعض المنظمات غير الحكومية إلى شركات، وهو أمر جيد”.
“خطؤنا كتونسيين هو أننا لم نعتبر المنظمات غير الحكومية جزءًا من النسيج الاقتصادي … والمفارقة أن المنظمات غير الحكومية تعد في الوقت الراهن المستورد الأول للعملة الأجنبية في البلاد.” كما أضاف عوادي لـ”مشكال” بأن المنظمات غير الحكومية تنتدب عمالًا أكفاء قد يغادرون تونس في إطار ظاهرة هجرة الأدمغة المستمرة، لولا التزاماتهم المهنية.
يرى بن حاج يحيى أن الاستدامة المالية التي يمكن أن تحققها جمعيته “إل سبايس” عند انضوائها تحت مظلة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ستساعدها على توسيع عملياتها وتعزيز الأثر الاجتماعي لنشاطها.
ويضيف قائلا “كونها مؤسسة اجتماعية يعني بالضرورة اضطلاعها بمهمة اجتماعية” وذلك في إشارة إلى مصطلح شائع في القطاع المالي للمستثمرين الذين يسعون إلى الاستثمار في المشاريع التي تعد ذات آثار اجتماعية أو بيئية إيجابية.
وفقًا لبن حاج يحيى، يعد امتلاك علامة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني جاذبا للمستثمرين هذه الأيام، ولكن عدد المشاريع الربحية التي تم تسويقها على أنها ذات تأثير اجتماعي قليل جدًا، حيث لا يوجد سوى مستثمر واحد مؤثر ينشط في تونس يترأس شركة رأس مال مغامر تسمى “إيمباكت بارتنر” (يديرها فارس مبروك من عائلة مبروك المترفة والتي لها صلات سياسية.)
“تعد الشركة ذات توجه زراعي بالأساس، لكن لم يظهر تأثيرها الاجتماعي كثيرًا نظرا لغياب الخطوط التوﺟﻴﻬﻴﺔ من قبل الحكومة وعدم وضوح ماهية الشركات الاجتماعية، ” حسب قول بن حاج يحيى لـ “مشكال”.
هل يخص الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الشركات التقنية الناشئة أم التجمعات الزراعية؟
قال بن حاج يحيى إنه قدم مساهمته أثناء صياغة قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ولكن ليس كل من شارك في صياغته يرى في الشركات الذات الصبغة الاقتصادية الاجتماعية والتضامنية قطبا متقدما لريادة الأعمال.
قال طاهر الطاهري رئيس جمعية جمنة لـ “مشكال”: “يعود الفضل اليوم في وضع قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تونس إلى جمعية حماية واحات جمنة، فضلا عن عوامل أخرى”.
تختلف جمعية جمنة عن جمعية “إل سبايس”. منذ سنة 2012 تتولى الجمعية إدارة مزرعة نخيل التمر التي استعادها السكان المحليون بعد ثورة 2011 مستخدمة الأرباح لتوظيف عدد أكبر من السكان المحليين وإعادة الاستثمار في البنية الأساسية والخدمات العامة. جمدت الحكومة سنة 2016 أصول الجمعية في إطار نزاع حول ملكية الأرض وإدارتها – والوضع القانوني للجمعية. تزامن حل الخلاف وخروج مظاهرات مساندة لجمنة مع صياغة قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لأول مرة من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة العمل الدولية.
عارضت الدولة تصنيف تسجيل جمعية جمنة ودعتها بدلاً من ذلك إلى التسجيل كواحدة من التعاونيات الزراعية وفي ذلك تنازل عن بعض المطالبات بملكية الأرض لصالح الدولة. يرى البعض تصنيف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كحل وسط من شأنه أن يسمح لجمعية جمنة بالحصول على اعتراف رسمي وقانوني من قبل الدولة.
وفقًا للطاهري، مازال التفاوض مع الحكومة جاريا لكنه يجزم بأن “الجمعية ستعمل الآن في إطار قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الجديد وستكون مؤسسة اجتماعية”.
بالنسبة للطاهري، تتمثل مزايا القانون أولاً في الاعتراف رسميًا بمفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وتصنيفها على هذا النحو – مما يحمي جمعيتهم من الفراغ القانوني ومساعي الدولة لإغلاقها، فضلا عن أن القانون يفتح الباب أمام إنشاء بنك عام يمكنه تقديم قروض مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
“سيكون سعر الفائدة منخفضًا جدًا. ربما سيسمح هذا القانون للشباب في المنطقة بالتكاتف والعمل وعدم الخوف من المغامرة. سيعملون وسيجدون ضمانًا –” يقول الطاهري لـ”مشكال”، ويضيف بأن “الدولة ستكون الضامن – في الأوقات التي يحتاجون فيها إلى الاقتراض من البنوك”، موضحًا بأن جمعية جمنة نفسها لم تحتج إلى أية قروض حتى الآن.
يبدو أن النشاط التعاوني الذي تقوم به جمعية جمنة هو ما كان يفكر فيه بعض الفاعلين في الاتحاد العام التونسي للشغل عندما بدأوا في صياغة القانون لأول مرة. يشدد لطفي بن عيسى المختص في الاقتصاد الاجتماعي لدى الاتحاد العام التونسي للشغل وأحد صائغي قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على أن هذا الأخير سيمثل التجمع القانوني الجديد للعديد من الأنواع من التعاونيات الزراعية والجمعيات المشتركة قائمة الذات.
ضرب بن عيسى مثل القطاع الزراعي حيث قال إن هناك “أكثر من 3000 مجمع تنمية فلاحية (جمعيات مستخدمي المياه) و315 شركة تعاونية للخدمات الفلاحية و18 وحدة تعاونية و48 مجموعة تعاونية وبضع مئات من الجمعيات المختصة في النشاط الاجتماعي والبيئي” والتي يعتقد أنه سيتم دمجها تحت علامة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مما سيعود عليهم بالنفع.
ولكن مع أن قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الجديد قد يمنح التعاونيات والمنظمات غير الحكومية والمجموعات التعاونية أكثر فرص للحصول على تمويلات، فإن القانون يسمح أيضًا للشركات التجارية وشركات القطاع الخاص بالتقدم بطلب للحصول على تصنيف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
هل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني اشتراكي أم رأسمالي؟
أحد أسباب تطبيق قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على بعض الشركات التجارية هو أن الشروط التي تخضع لها قد تم إحداثها بمجرد انتقال القيادة في عملية صياغة القانون من الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الحكومة سنة 2016. في ذلك الوقت، تلقت الحكومة التونسية تمويلا من طرف كل من هولندا ومنظمة العمل الدولية لتشكيل فريق يمكنه تنسيق صياغة القانون بالتشاور مع الخبراء وأصحاب المصلحة. وفقًا لسيدة الونيسي، العضو الحالي في البرلمان عن حزب النهضة والتي لعبت دورًا رائدًا في إعادة صياغة القانون بصفتها وزيرة التشغيل والتكوين المهني 2016-2019.
يمكن استخدام ميزانية التمويل الخارجي لمشروع صياغة قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بشكل أكثر مرونة من مصادر ميزانية الدولة الأخرى، إلا أن الخبراء الخارجيين الذين تم جلبهم كانوا في الواقع موظفين تونسيين منتدبين من طرف منظمة العمل الدولية. لذا فقد طلبت منهم الونيسي أن يضعوا في اعتبارهم عند صياغة القانون بأنهم في نهاية المطاف سيعودون إلى الوظيفة العمومية.
“كانت منظمة العمل الدولية تقوم بالانتداب وكان جل خبرائها موظفين عموميين سابقين قادمين من الوزارة التي ترأستها في فترة سابقة، لكنهم يتعللون بأخذ نوع من الإجازة ليتسنى لهم الالتحاق بمنظمة العمل الدولية لمدة سنتين أو ثلاث أو أربع، ويتقاضون ثلاثة أضعاف رواتبهم ليمثلوا منظمة العمل الدولية أمام الوزارة “، حسب تصريح الونيسي. “عندما تفطنت إلى ذلك توجهت نحو هؤلاء الموظفين بمنظمة العمل الدولية قائلة: ‘ستعودون إلى الوظيفة العمومية في قادم السنوات لذا تفانوا في تكوين خبرة واسعة لأنكم على الأرجح ستتولون مهمة تنفيذ أدوات أو آليات القانون في تونس في غضون السنتين أو الخمس سنوات القادمة.'”
تضمنت المسودة الأصلية للقانون التي صاغها الاتحاد العام التونسي للشغل 53 مادة ثم تم تقليصها فيما بعد إلى 24.
“لقد محونا بطريقة ما القانون الذي اقترحه النقابيون وأسقطناه شيئًا فشيئًا ولكن ليس في ذلك مدعاة للتشاؤم.” قال طاهر الطاهري من جمعية جمنة لـ “مشكال”: لقد تفاوضنا مع الدولة لإصلاح مشاكل القانون.”
وأضاف “هناك بالتأكيد أوجه قصور [في القانون] ولكن سيتم معالجتها من خلال المراسيم [التنفيذية] التي ستتبناها الحكومة ورئيس وزرائها وسنحاول – كداعمين للاقتصاد الاجتماعي والتضامني – تجاوز الثغرات.”
عادة ما تتطلب القوانين التي يقرها البرلمان مراسيم تنفيذية تقدم توجيهات أكثر تفصيلا لكيفية تنفيذ القانون أو تفصل تشريعات القوانين.
وفقًا لونيسي، عارض الاتحاد العام التونسي للشغل في البداية قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي يغطي قطاعات مثل التعليم أو الصحة – وهي مجالات استند فيها بعض معارضي القانون في رفضهم إلى إمكانية استخدام إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لخوصصة الخدمات التي تقدمها الدولة في الوقت الراهن أو لنقل عبء تقديم الخدمات الاجتماعية من الدولة إلى القطاع الخاص.
في البداية قال [الاتحاد العام التونسي للشغل]: “هذا خط أحمر فنحن لا ندرج قطاعات اقتصادية [مثل] التعليم والنقل والصحة العامة في مجالات مشاريع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني المحتملة “، أضافت ونيسي لمشكال. “لكن بعد ستة أشهر من النقاش نجحنا في إقناعهم.”
وفي حديثها عن نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل منذ عام 2017 قالت ونيسي “إنه يعي بأن بعض المجالات تستوجب مراجعة للقناعات المبدئية والأفكار”.
أوضحت ونيسي أن إحدى الحجج التي استخدمتها مع الاتحاد العام التونسي للشغل كانت التحذير من أن الخوصصة الكاملة جارية بالفعل في بعض القطاعات، لذا فإن فتح الطريق أمام الاقتصاد الاجتماعي والتضامني قد يكون البديل.
قالت ونيسي لمشكال: “ذكرت تطاوين كمثال حيث تضاعف بها عدد المدارس الابتدائية الخاصة بشكل غير مسبوق وفي منطقة كهذه، إذا تركنا القطاع الخاص يأخذ بزمام الأمور فإننا في الواقع سنعمق اللامساواة. ولكن إذا أعطينا الفرصة للأشخاص لإنشاء مدارس ابتدائية ضمن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، تقدم – على سبيل المثال – الطعام أو أي خدمة أخرى فلا يسهم ذلك في التخفيف من ظاهرة الانقطاع عن الدراسة فحسب، ولكنه يسمح كذلك للآباء بدفع مبلغ زهيد لتمكين أطفالهم من الالتحاق بصفوف الدراسة – لذا يجب البحث عن هذا النوع من الحلول.”
كان الفوز بدعم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والغرفة التجارية الوطنية الرئيسية أصعب من إقناع الاتحاد العام التونسي للشغل، وفقًا لما صرح به شريك مؤسس “إل سبايس” بن حاج يحيى حيث وضح بأن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية كان في البداية يخشى على أعضائه من منافسة شركات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الجديدة على الأسواق الموجودة. في نهاية المطاف تنازل الاتحاد عن اعتراضه لثقته بأن اللوائح التي تضبط مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ستفي بالغرض، وذلك حسب رواية بن حاج يحيى.
يقلل بن عيسى عضو الاتحاد العام التونسي للشغل من احتمال استخدام قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كأداة للخوصصة مستندا في ذلك بصفة خاصة على أحكام القانون بموجب المادة 4 التي تقضي بوجوب حفاظ مؤسسة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على “دمقرطة الإدارة ” في هيكلها التنظيمي الداخلي. على عكس جل الشركات الخاصة، لا يمكن لعضو واحد أن يملك حصة تصويت بالأغلبية داخل مؤسسة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إلا أن كيفية تطبيق الدولة لهذا الشرط لا تزال غير واضحة. يصف بن عيسى الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بأنه “الخيار الثالث” لسابقيه القطاعين العام والخاص.
يعد الاقتصاد الاجتماعي والتضامني “ركيزة أساسية وحتمية للنموذج الاقتصادي الذي سيتم بناؤه والذي نطلق عليه في الاتحاد العام التونسي للشغل” نموذج التنمية البديلة “. ولسائل أن يسأل، بديل عن ماذا؟ بديل عن النموذج النيوليبرالي”، حسب بن عيسى.
بيد أن أكرم بلحاج رحومة أستاذ القانون لدى جامعة منوبة الذي استشارته الحكومة أثناء صياغة قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والذي عبر عن رضاه عن الصيغة النهائية للقانون، يقر أن الأخير يمكن أن يفتح الباب للخوصصة اعتمادًا على كيفية تنفيذه.
“الخطر قائم لأن بعض الشركات تستخدم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كأداة للخوصصة والقيام بأنشطة قد تندرج تحت لواء القطاع العام. لكن إذا تم تطبيق المبادئ المنصوص عليها في القانون، يمكن تلافي هذا الخطر أو على الأقل الحد منه”، على حد تعبير رحومة، كما أشار إلى أن الأمر منوط بعشرات القرارات الحكومية والوزارية التي لا تزال ضرورية لتنفيذ القانون.
وردا على التساؤل المتعلق بإمكانية استخدام الدولة لنظم الاتصال المشترك للاقتصاد الاجتماعي والتضامني للتحرر من عبء المسؤوليات الاجتماعية ورميها على كاهل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، قالت الونيسي بأنها ترى أن الخطر محتمل.
قالت الونيسي لـ”مشكال” “لا أنكر وجود توجه كلي نحو الاقتصاد الاجتماعي والتضامني و … إن ريادة الأعمال يمكن أن تحمل في طياتها تملصا من المسؤولية من قبل الدولة إذا لم يتم تطبيق القانون بنجاعة”.
أما بالنسبة للباحثين إيستير سيجيلو وداميانو دي فاتشي فقد كان مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تونس وسيلة لترجمة الحركات الاحتجاجية إلى جمعيات “تبني ‘بديلًا’ لنموذج التنمية الذي تتبناه الدولة والذي أدى إلى تصدعات اقتصادية وإقليمية”، وفقًا لدراسة قاما بنشرها في نفس الصدد.
يرى سيجيلو ودي فاتشي مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على أنه نوع من “القواعد” التي تحث المجموعات التي تتبنى “تشخيصات مختلفة أو متعارضة لظاهرة الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي” على التواصل باستخدام عبارات مشتركة للوصول إلى حلول مشتركة.
كتب الباحثان: “تم تشكيل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كنقطة التقاء بين ريادة الأعمال واقتصاد الكفاف والاقتصاد التضامني”.
لكن هذا النوع من التوفيق بين – أو المزج بين – فلسفات وفئات اقتصادية مختلفة لا يبدو منطقيًا للجميع.
“في وقت من الأوقات، علينا أن نقرر ما إذا كنا ليبراليين أم شيوعيين. كما قال صديق لي، تونس هي النسخة الرأسمالية من كوريا الشمالية”، يضيف المستثمر حسام عوادي “نحن رأسماليون لكن حدودنا مغلقة”.
أكد العوادي أنه من مساندي قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، تماما كقانون الشركات الناشئة الذي شارك في صياغته، فضلا عن جملة من المبادرات التشريعية التي تدعي تعزيز ريادة الأعمال لما فيها من انفتاح للاقتصاد التونسي. بيد أن العوادي لا يستحسن السياسة العامة التي تنتهجها الدولة للإصلاح الاقتصادي باستخدام تشريعات تدرجية لإنشاء فئات جديدة.
يخص العوادي بالذكر القوانين التي تسمح لفئات معينة من الكيانات القانونية بالحصول على مساعدات انتقائية – لا سيما التحصل على العملات الأجنبية والحوافز الضريبية – بدل اعتماد سياسة اقتصادية منتظمة.
يضيف العوادي قائلا: “فكر في الأمر على أنه تمييز اقتصادي، حيث تتمتع فئة دون أخرى بكل المزايا [رغم] أنها تنضوي تحت مظلة واحدة. بدلاً من العمل على الاقتصاد ككل، يتم منح البعض مزايا دون غيرهم وبدون وجه حق، يتجسد ذلك في منح فئات دون غيرها تراخيص لبيع الخمور أو إنشاء بنوك أو اقتصار منح الامتيازات على فئة معينة. إنها لعبة مزورة”.
إلا أن معاملة الجميع على قدم المساواة في الاقتصاد قد يكون فيه تجاهل لأوجه التمييز القائمة والتي يعتقد بعض المسؤولين أن معالجتها يتم من خلال اتخاذ الدولة لتدابير استباقية.
قالت الوزيرة السابقة الونيسي: “أنا من توصل أساسا إلى الإستراتيجية الوطنية لريادة الأعمال و … أنا يسارية بعض الشيء في توجهي هذا. أعتقد أن الدولة تتحمل المسؤولية. بما أن الجميع غير متساوين فلا يمكنني أن أتوقع أن يحصل شاب من سيدي بوزيد على نفس الفرص التي يحصل عليها غيره في المنستير من حيث إدارة مشروع ناجح وخلق فرص عمل”
وتابعت: “لا يمكنك أن تقول للناس إن في هذا حل لجميع مشاكلك”. “فالأمر يتطلب استثمارًا كبيرًا من الدولة لإنجاح الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ذلك أن نجاح المسار يتطلب بعث مؤسسات ووجود موظفين أكفاء لدى المؤسسة المالية وتدريبات وإدارة شاملة “.
الآثار الاقتصادية للتضامن
هناك حاجة إلى مرسوم تنفيذي واحد على الأقل يحدد الجانب العملي لقانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. تم تجاوز بعض النقاشات حول القانون لتمريره ولكنها عادت لتطفو على السطح خلال المعركة السياسية حول صياغة أول مرسوم تنفيذي خاص بقانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. ووفقًا للونيسي، كان هذا المرسوم جاهزًا منذ أوائل جويلية 2020 لكن تأجل إصداره إلى أواخر سبتمبر.
وأشار بن عيسى الذي ساهم في صياغة المرسوم التنفيذي إلى بعض القضايا التي لا تزال قيد النقاش. لعل أهمها هو تحديد السلطة التي ستكون لها صلاحية تعيين الكيانات على أن تنضوي ضمن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وكيفية ذلك التعيين- العلامة المطلوبة للعمل كمؤسسة اقتصاد اجتماعي وتضامني مع جميع الفوائد التي يتضمنها ذلك.
“ما هي العلامة؟ هي تأشيرة دخول إلى النظام البيئي ومفاتيح الولوج إلى عالم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتي إذا تركت في يد كيان عام انتفت حرية واستقلالية القطاع”، قال بن عيسى. “لذا فإن الموازنة [بين الأشياء] أمر ضروري.”
صرح بن عيسى بأن هدفه هو التأكد من وجود فئتين من الكيانات في النسخة النهائية من المرسوم، واحدة ستتلقى تصنيف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تلقائيًا والأخرى ستتطلب مراجعة. المجموعة الأولى ستكون ” تلك المدمجة بطبيعتها في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني” مثل التعاونيات والجمعيات المشتركة وجمعيات التنمية، فيما تشمل الفئة الثانية الشركات التجارية والجمعيات.
هذا ولم يتبين بعد مدى وضوح المرسوم أو مدى فعالية تنفيذه لمنع بعض الشركات من اتخاذ علامة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بشكل انتهازي.
“هناك العديد من الشركات التي تضر بالبيئة لكنها تدعي أنها مؤسسات اجتماعية. هنا تتضح أهمية توضيح القانون”، كما قال بن حاج يحيى الشريك المؤسس لشركة “إل سبايس” لـ “مشكال”.
وحسب تعبيره، فإن كيفية منح العلامة يلفها “غموض خطير”.
نظريا، “يمكن أن يكون الفندق مؤسسة اجتماعية وفقًا لهذا القانون كما يمكن أن يكون مشروعًا اجتماعيًا ولكن من الصعب تحديد الفرق بينهما. لا يمكن اعتبار النشاط الفندقي مؤسسة اجتماعية. قد يكون مؤسسة مسؤولة تحترم القيم البيئية وقواعد المنظمة الدولية للمعايير، وهو أمر محمود، ولكني أرى أن محاولات تصنيف الفندق كمؤسسة اجتماعية ستبوء بالفشل”.
كان جل الذين حاورتهم “مشكال” تقريبًا متفائلين بأن قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من شأنه النهوض بالاقتصاد التونسي، إلا أن للبعض منهم مشاعر مختلطة.
قال بن حاج يحيى “أنا راض بما بلغناه حتى اللحظة ولكن في نفس الوقت هناك العديد من الأشياء التي يجب تغييرها. “يتعلق الأمر بتطبيق القانون على أرض الواقع”.
أما بن عيسى عضو الاتحاد العام التونسي للشغل فقد قدم تنبؤات اقتصادية لكيفية مساهمة القانون في رفع الناتج المحلي الإجمالي في تونس وخلق فرص عمل.
“الهدف من هذا القانون [الاقتصاد الاجتماعي والتضامني] هو الإسهام في إنشاء جيل جديد… مئات الكيانات الجديدة.” أضاف بن عيسى أن هذه الأخيرة “ستخلق ديناميكية من شأنها أن تولد قيمة مضافة يمكن أن ترفع [إجمالي الناتج المحلي] من واحد في المائة حاليا إلى ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة في المائة في إطار خطة التنمية التي ستتم على مدى خمس سنوات.”
كانت الونيسي أكثر تحفظا، رغم دعم النهضة للقانون، تعتقد الوزيرة السابقة أن رئيس الوزراء يوسف الشاهد قد وضع القانون جانبا قبل انتخابات 2019 لحرمان النهضة من الترشح بعد تمرير القانون بنجاح. ترى الونيسي أن بعض الجهات الفاعلة تمنح سياسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أكثر من حجمها، وإن كانت الأخيرة عاجزة على إعادة تشكيل الاقتصاد.
وأضافت: “تعتبر منظمة العمل الدولية أن نهج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني عصا سحرية لخلق فرص العمل ولكني لا أعتقد ذلك”، رغم إشادتها بمنظمة العمل الدولية لقدرتها على حشد الفرق وخبرة أعضائها. “لا أعتقد أن ريادة الأعمال هي العصا السحرية للتشغيل. إنها الطريقة التي تريد الحكومة – بما في ذلك أولئك الذين كنت جزءًا منهم والذين صوت لهم – تقديمها لأنها مريحة سياسياً. لكن علينا توخي الحذر”.
ليس هذا الحل بمعجزة، لهذا كنت منزعجة من الصدى الكبير الذي أخذه الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وذلك نظرا للصعوبات التي تمر بها البلاد خاصة في هذا التوقيت حيث تشهد أسوأ ركود على الإطلاق كغيرها من البلدان، ” أضافت الونيسي، مشيرة إلى تداعيات جائحة فيروس كورونا.
بصرف النظر عن التحديات الاقتصادية الحالية التي يفرضها الوباء، هناك مشكلة أخرى تتعلق بالاقتصاد التونسي الذي تم تشكيل ملامحه منذ السبعينيات ليرتكز على حركة التصدير المعتمدة على الأسواق الأوروبية والقروض الدولية. يبدو أن إطار عمل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لا يتطرق لهذا التحدي الهيكلي ولم يفدنا أي من المختصين الذين حاوروا “مشكال” بأي تعليق بخصوص هذا الموضوع.