زيادة في أسعار الاعلاف تثير غضب صغار الفلاحين

صورة من الصفحة الرسمية بموقع الفيسبوك لتنسيقية صغار الفلاحة أولاد جاب الله إيقاف شاحنة نقل شركة ألفا عن العمل من قبل المعتصمين بمنطقة اولاد جاب بولاية المهدية.

بتاريخ 05/05/2022 أعلنت الغرفة الوطنية  لمصنعي الاعلاف و المواد الاولية التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية عن زيادة 300 دينار في سعر الطن الواحد من العلف ليصبح السعر بعد هذه الزيادة  1600 دينار.

 واسفرت هذه الزيادة الغير متوقعة عن احتجاجات واعتصامات من طرف صغار الفلاحين امام مقرات الولايات في مختلف المناطق  مثل بنزرت و الكاف و باجة وقابس،  في حين اعتبرتها الغرفة الوطنية  لمصنعي الاعلاف و موردي المواد الأولية التابعة للاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية و الممثل الرئيس لشركات الدواجن في بيانها الصادر بتاريخ 12/05/2022 “هذه الزيادة الاضطرارية جاءت نتيجة للخسائر الفادحة التي تكبدها القطاع بسبب ارتفاع المواد الاولية في الأسواق العالمية بصورة جنونية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا”.

انطلقت الاحتجاجات من منطقة أولاد جاب الله بولاية المهدية،  بعد أن دعت تنسيقة صغار الفلاحين بتاريخ 05/05/2022  وقد صرح بلال المشري الناطق الرسمي باسم تنسيقة  الفلاحين الصغار بأولاد جاب الله: “مطالبنا واضحة وتتلخص في مطلبين أساسيين أولا،  ادراج الاعلاف ضمن المواد الأساسية المسعرة و تحديد هامش الربح ب 5 بالمائة , وذلك من خلال ضبط أسعار البيع و الشراء في المواد الأولية و الأعلاف  إذ أن سعر الإنتاج مسعر من الدولة في حين تكلفة الإنتاج خاضعة لمبدأ الربح بالتالي يجب أن تكون تكلفة الإنتاج مسعرة ,  نظرا للأرباح الخيالية التي تحققها الشركات أي أن تكون كلفة الإنتاج مسعرة و ذلك نظرا للزيادات المتكررة لسعر الأعلاف التي وصلت إلى 12 مرة دون الزيادة في سعر الإنتاج كالحليب مثلا و هذا ما يمثل خسارة كبيرة للفلاح بالتالي الحل في تسعيرها حتى لا نواجه تسعيرا عشوائيا في كل مرة يحقق ربحا خياليا للشركات المعنية. ثانيا، إرساء قانون يقضي بالترفيع في سعر الإنتاج كلما ارتفعت كلفة الإنتاج، و لمتقتصر الاحتجاجات على ولاية المهدية بل شملت كل من باجة، صفاقس، بنزرت، قابس، و الكاف” و فق ما صرح لنا به محاورنا.

و نشير أن هذه الاحتجاجات ليست الأولى من نوعها في منطقة أولاد جاب الله حيث شهدت هذه المنطقة السنة الفارطة احتجاجات مطولة تنديدا بارتفاع اسعار الاعلاف و سياسة الدولة القمعية و الهرسلة التي تعرض لها المحتجون.

و باتصالنا بعدد من أهالي منطقة أولاد جاب الله  بتاريخ 24 ماي 2022 أكد لنا حمة المشري أحد أعضاء التنسيقة : ” نضالنا متواصل منذ السنة الفارطة فقد انطلقنا في تكوين تعاونية الفلاحين و نحن في انتظار جمع رأس مال هذه التعاونية .” و التعاونية الفلاحية هي شركة فلاحية تهدف الى توفير المستلزمات والخدمات الضرورية لتعاطي النشاط الفلاحي و الصيد البحري  و ذلك وفق ما ورد في الفصلين 1 و 2 من  القانون عدد 94 لسنة 2005 المتعلق بالشركات التعاونية للخدمات الفلاحية . 

تصوير : أحد المعتصمين خيمة اعتصام تنسيقية فلاحي اولاد جاب الله بتاريخ 10 /05/ 2022 في المهدية.

و قد شهدت العاصمة تونس،  يوم 12 ماي 2022 تحركا احتجاجيا أمام وزارة التجارة على اثر تصريح وزير الفلاحة بالتلفزة الوطنية حيث أعلن عن مجموعة  من الزيادات في الحليب و البيض التي  ستصدر يوم 12 ماي بمناسبة الجلاء الزراعي داعيا المستهلك الى تفهم الوضع و دعم الفلاح.  حينما  صغار الفلاحين يرون  أن هذه الزيادة لن تكون في صالحهم باعتبارهم مستهلكين و منتجين في نفس الوقت  وإنما يجب تحديد هامش ربح معقول للفلاح يضمن حق صغار الفلاحين  , وهذا  وفق ما صرح به لنا حمة المشري.

 والجدير بالذكر أن هذا الإعلان عن  الزيادة قد تم التراجع عنه بتاريخ 16 ماي 2022.

وأضاف حمة المشري لمشكال : “سنظل ملتزمين بتحقيق مطالبنا و لن نتوقف عن الاحتجاج 

حتى تحقيقها . هذه المطالب لم تعد حكرا على منطقة اولاد جاب الله إنما هي مطلب شرعي لكل الفلاحين/ات الصغار في جل الولايات في تونس و نحن في انتظار ما سيفرزه التحقيق الوزاري الخاص بجميع الزيادات السابقة في قطاع الأعلاف و  الذي تعهدت بفتحه وزيرة التجارة.”

“الاستيراد ليس الحل الوحيد”

“تتحدث الدولة  عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في كل من الحليب و البيض و اللحم و الأبيض , و لكن في الواقع هذا الاكتفاء الذي نتحدث عنه هو اكتفاء مزيف …” هكذا بدأ الخبير الدولي في الأعلاف و الدواجن ( م.ع.) حديثه معنا عن أزمة الأعلاف في تونس و الذي رفض التصريح عن اسمه نظرا لحساسية وظيفته في أحدى أكبر الشركات التي تصدر الدواجن لتونس  .

وقد أوضح لنا الخبير الدولي فيما يتعلق بعملية تربية الدواجن أو الماشية قائلا : “هي بالأساس عملية تحويل , اذ يتم تحويل العلف من مادة نباتية الى لحوم بيضاء أو لحوم حمراء .”

و هذه الاعلاف وفقا لهذا الخبير هي مادة غذائية  متكونة أساسا من الذرة و فيتورة الصوجا ،  إضافة إلي الفيتامينات والأملاح المعدنية التي يتم استيراد نواتها مع إضافة باقي المكونات  أو استيراد كامل المكون مجهز للتعليف  . بالنسبة للذرة في تونس نقوم باستيراد هذا المكون من عدة دول وفقا لموسم كل دولة من بينهم أوكرانيا والأرجنتين . أما الصوجا فتستورد كمادة كاملة ليتم فيما بعد استخراج زيت الصوجا على حدا و استخدام فيتورة الصوجا كمكون أساسي للأعلاف .

لماذا لم تختر تونس الاعتماد على أعلاف محلية لتجنب تكلفة الاستيراد ؟ بهذا السؤال حاولنا أن نحدد بعض من أسباب اعتماد الدولة على الاستيراد فأجابنا م.ع : “المسؤولية هنا هي مسؤولية الدولة التي تعتبر مقصرة جدا في عملية البحث عن الحلول و تشجيع البحث العلمي الذي يعتبر أول الطريق من أجل الاستغناء عن استيراد الأعلاف و السير نحو إيجاد بديل محلي يكون له قيمة بروتينية عالية و يتأقلم مع مناخ البلاد و الأهم أن لا تكون له احتياجات مائية كبيرة نظرا لازمة المياه التي تعاني منها البلاد كنبتة الكولزا مثلا التي سبق أن نظمت تجارب علمية عليها ولكنها لم تستمر .و تجدر الإشارة إلى أن تونس قد سبق لها أن قامت بتجربة في زراعة الصوجاو لكنها لم تنجح لعدم وجود المناخ الملائم لها .”

و قد أكد بلال المشري هذا الموقف معتبرا أنه : “هناك العديد من المنتجات المحلية التي تعوض الصوجا كالشعير و لكن البارونات التي تتمعش من الاستثمار ليس فقط من الاعلاف و إنما أيضا من الزيوت تسيطر {على} السوق  في غياب سيادة الدولة و قرارات حاسمة .”

و في إطار البحث عن مدى سيطرة الشركات الكبرى على منظومة الأعلاف في تونس اكتشفنا أن هذه الشركات لا تحقق هامش ربح خيالي فقط، إنما أيضا سيطرتها على القطاع تجعله أولى المستفيدين حتى على مستوى الإنتاج . فتلك الأعلاف تدخل في حلقة الإنتاج الخاص بهم فهم لا يشترون العلف.  فالعلف بالنسبة لشركة الوردة البيضاء مثلا ينقسم الى ثلاث مجموعات  , قسم تعلف به الدواجن المعدة لإنتاج البيض و قسم مخصص لتعليف الدواجن الخاصة بإنتاج اللحوم البيضاء و  قسم ثالث معد لصنف الديك الرومي ,  في هذه الحالة العلف يستخدم في مصلحة هذه الشركة و انتاجاتها لتحقق ربحا ماليا إضافة الى هامش الربح الضخم التي تحققه من بيع الاعلاف للفلاح .و هذا وفقا لتصريحات الخبير الدولي الذي اتصلنا به.

و تبعا للمعلومات التي ذكرناها اتصلنا بأحد المسؤولين في احدى الشركات المعنية باستيراد الاعلاف و المتهمة باحتكار هذه المادة و الذي رفض الادلاء بهويته نظرا لالتزامه بعدم التصريح للصحافة و لكنه  افادنا بالتالي : ” الازمة هي أزمة عالمية بالأساس نحن لسنا صندوق دعم , الفلاحة الاجتماعية مسؤولية الدولة , نحن  لم نخفي شي على الفلاح و لا على الدولة .”, و بالنسبة الى هامش الربح الكبير الذي تحققه هذه الشركات أكد لنا محدثنا أن العديد من الشركات تواجه خسائر مادية و مهددة بالإفلاس جراء تجميد الأسعار و رفض الوزارة الزيادة في أسعار العلف, “بالتالي نحن نواجه عجز و لسنا نحقق فائض ربح كما يدعي الفلاحين .”

في رد الوزارات المعنية 

رغم صدور القرار عدد 0004410 بتاريخ 16 ماي 2022  فإن ما تقرر يبقى أمرا مؤقتا لا يخدم مصلحة  صغارالفلاحين هكذا أكد لنا حمة المشري , و في هذا السياق اتصلنا بالمسؤول الإعلامي لوزارة التجارة السيد محمد علي الفرشيشي الذي صرح لنا أنه لا يملك المعلومات الكاملة بخصوص موضوع الاعلاف و لن يتمكن من إفادتنا بهذا الخصوص. و قد انتظرنا رد الوزارة التي سبقت أن أعلمتنا أنه سيتم الاتصال بنا و لكنها لم تتصل , و حرصا منا على ضمان حق الرد عاودنا الاتصال بالملحق الصحفي و لكن لم نتحصل منه على أي معلومة و في نفس السياق عبرت الغرفة الوطنية لمصنعي الأعلاف و موردي المواد الأولية التابعة لمنظمة الأعراف في بيانها الصادر بتاريخ 18 ماي 2022 عن موقفها الرافض من تجميد الأسعار و صرحت في بيانها بما يلي: “لذا يطالبالمهنيون من سلطة الإشراف المتمثلة في وزارة التجارة إعادة النظر في مايخص أسعار الأعلاف المركبة بكل أنواعهاوالاستجابة لطلبهم عقد جلسة عمل بصفة مستعجلة نظرا للوضع الخطير الذي يمر به القطاع بأكمله.”