مع دخول فصل الصيف، تشهد المحافظات الحدودية التونسية ارتفاعا لافتا في أسعار الإيجارات السكنية في ظل توافد عدد كبير من الليبيين عليها هربا من المعارك الدائرة بين قوات خليفة حفتر و قوات حكومة الوفاق الوطني.
وشدّد ثلاثة وسطاء إيجار تحدثوا ل “مشكال” أن الإقبال القياسي لليبيين على المدن التونسية منذ احتدام المعارك قبل أشهر ساهم في رفع أسعار إيجار المنازل بشكل غير مسبوق في ظل الاختلال الكبير بين العرض والطلب.
وكشف وسيط الإيجارات سامي الرقيعي أن إيجاد منزل شاغر للإيجار خلال هذه الفترة أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش وهو ما جعل الأسعار ترتفع بشكل ملحوظ.
وأشار الرقيعي ، في تصريح ل”مشكال”، إلى أن العديد من النازحين يأتون لأغراض علاجية، بعد إصابة أفراد من عائلاتهم في الاشتباكات، لافتا إلى أن مدة العلاج تحدد إقامتهم في تونس وطلبهم على نوعية ومدة الإيجار.
وأبرز وسيط الإيجارات المقيم في مدينة بن قردان الحدودية أنّه يعمل بصفة حرة ، مضيفا أن 80 % من حرفائه ليبيون استقطبهم بفضل شبكة علاقاته الواسعة منذ مزاولته لهذه المهنة قبل خمس سنوات.
ولا تخضع أسعار إيجارات المنازل في تونس إلى قانون يحدّد سقفها حسب المدينة أو البلدة الذي توجد فيه تلك المحلات المعدّة للإيجار أو حسب مواصفاتها، بل تبقى المسألة تقريبية وبيد المالكين الذين يبالغون أحيانًا في الرفع من الأسعار حدّ الشطط، مستغلين بذلك الحاجة الملحّة للوافدين لمكان يأويهم.
وقال الشاب الليبي ، جلال الفاخري ، أن أسعار الإيجار ترتفع فجأة عندما يكون الحريف من ليبيا ، مشيرا إلى أنه تعرض إلى مساومات عديدة من الوسطاء أو مالكي المنازل عندما تضطره الظروف إلى تمديد إقامته بتونس.
و تابع الفاخري ، في تصريح ل”مشكال”، أنّ غياب السيولة في المصارف الليبية جعل المواطن بين مطرقة الحاجة إلى التوجه إلى تونس للعلاج وسندان أسعار الإيجار الباهظة.
و شدّد الشاب، الذي ينحدر من مدينة سرت، على أن تنقله المنتظم بين مختلف المصحّات التونسية لعلاج والده جعله حريفا دائما لدى وسطاء الإيجار خصوصا في العاصمة.
و يعتبر الخبراء أن هذا الإقبال الكبير للبيبين على المدن الحدودية التونسية ظاهرة ظرفية تغذيها عدة عوامل.
وأبرز الخبير الاقتصادي و وزير المالية الأسبق ، حسين الديماسي ، أنّ ” التعديلات التي أجرتها تونس على امتلاك المنازل فسحت المجال أمام أعداد هامة من الليبيين للاستقرار بها.”
وأصدرت تونس قرارا يمنح الليبيين حق شراء عقارات من دون طلب ترخيص الولاية (السلطة المحلية) على ألا يشمل الإعفاء العقارات ذات الصبغة الفلاحية (المخصصة للزراعة).
وأضاف الديماسي ، في تصريح خاص ل”مشكال” ، أن ” التقاليد المشتركة للبلدين جعل مسألة الهجرة الظرفية لليبيين ظاهرة مألوفة لدى الشعب التونسي ، و إن ساهمت الاشتباكات المسلحة في رفع وتيرة النزوح إلى تونس.”
من جهته، اكد وسام غربال ، عضو الديوان السابق بوزارة التكوين المهني و التشغيل و المدير التنفيذي الحالي لمؤسسة استشارات ، أن هذه الظاهرة وقتيّة في ظل ” الأزمات المالية التي أصبح يعاني منها المواطن الليبي الذي انخفض دخله السنوي إلى حدود 5000 دولار سنويا.”
وتابع غربال ، في تصريح ل” مشكال” ، أن “الليبيين يعانون صعوبات معيشية أثّرت على قدرتهم على الإنفاق على عكس ما كان الوضع عليه إبان السنوات الأولى للثورة، مما يلغي إمكانية قفز أسعار الإيجارات لفترة طويلة”.
ولا تفرض السلطات التونسية على الليبيين تأشيرة الدخول إلى أراضيها، الأمر الذي جعل تونس الوجهة الأقرب والأنسب لهم للاستشفاء والسياحة.
ويخلق تدفق الليبيين على تونس حركة اقتصادية كبيرة لمختلف القطاعات. وبحسب بيانات رسمية لغرفة المصحات فإن نحو 380 ألف مريض أجنبي يعالجون سنوياً في تونس، فيما يصنف السائح الليبي من بين أكثر السياح إنفاقا.