أدّى مصرع أحمد عمارة (32 سنة)، بتاريخ 8 جوان الجاري، أثناء إيقافه داخل مركز للشرطة، بحسب ادعاءات، إلى قيام موجة من الاحتجاجات والاشتباكات مع قوات الشرطة امتدت على عدة أيام، في الحي الشعبي سيدي حسين. العديد من الأشخاص تعرضوا لإصابات، بمن فيهم طفل يبلغ من العمر15سنة تم تجريده من ملابسه والاعتداء عليه بالعنف الشديد في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، مما أنتج موجة غضب عارمة. سيدي حسين هو كذلك الحي الذي قتل فيه الشاب أحمد عثماني (19 سنة) برصاص أعوان الديوانة سنة 2018.
“لقد قتلوا أيمن ابن حيّنا. والآن جاء الدور على أحمد. من سيكون التالي؟”، هكذا تحدث يوسف، صديق عائلة بن عمارة، لمشكال/نواة في منزل عائلة الضحية، الخميس الماضي، خارج خيمة أقيمت لتلقي التعازي.
حاول آعوان الشرطة إيقاف السيارة واعتقال بن عمارة في حي مراد عندما كان يمتطي دراجته النارية. وقالت خطيبته، التي كانت برفقته لحظة إيقافه، في تسجيل صوتي منشور على الإنترنت أن عناصر الشرطة اعتدوا على أحمد بقضيب حديدي وهم يحاولون إخضاعه عندما قاوم الاعتقال.
“لم يستطيعوا السيطرة عليه فجلبوا قضيبا حديديا… وطفقوا يضربونه به لإجباره على إفلات الباب الحديدي وإدخاله لسيارة الشرطة”. هذا ما جاء على لسان خطيبة أحمد في التسجيل الصوتي الذي نقل مكالمة هاتفية يبدو أنها أجرتها مع شخص يدعى بلال الذي وجد أحمد بن عمارة لاحقا ملقى على الطريق جثة هامدة.
حاولت مشكال/نواة الوصول للخطيبة من أجل الحصول على تعليق، إلا أنها توقفت منذ الحادثة عن إعطاء تصريحات للصحافة إثر احتجازها من قبل الشرطة من أجل التحقيق معها، بحسب جيرنها. إلا أن الجيران وأفراد عائلة بن عمارة أكّدوا لمشكال / نواة صحّة التفاصيل والوقائع التي ذكرتها. “لقد وجدناه مضروبا، مكسورا.. ميتا”. هكذا كان توصيف كوثر، أخت أحمد، لحالة أخيها التي وجدوه بها، خلال الحوار الذي أجرته معها مشكال / نواة داخل منزل العائلة. “كان مصابا في رأسه وفي رقبته من خلف، أنفه كان ينزف… حالته كانت تستعصي على الوصف “. وتُحمّل كوثر قوات اشرطة مسؤولية مقتل أخيها.
وأضافت “الدولة ووزارة الداخلية يشرعون للعنف…هل هذا أمر طبيعي؟ لماذا هم متناقضون؟ لقد وضعوا قوانين تجرم العنف وإذا بهم يمارسونه، إلى متى؟.”
وبحسب كوثر، فإن الشرطة حضرت بالقرب من منزلهم، الخميس الماضي، يوم جنازة أخيها وأطلقت قنابل غاز مسيل للدموع وألقت الحجارة على الناس الذي قدموا للمنزل لتقديم واجب العزاء. “نحن بطبعنا نشعر بالألم وهم يمعنون في إيذائنا”، قالت كوثر لمشكال / نواة.
عمل أحمد بن عمارة كعامل حدادة وكان المعيل الرئيسي لعائلته. فقد عمله في الورشة بسبب جائحة كورونا وكان قد شرع في بعض الأعمال الحرة. “أحمد كان مثل أي شاب تونسي آخر يحاول تغطية نفقاته من هنا وهناك”، بحسب ما قاله ابن عمه يحيي لمشكال / نواة.“جاءت فترة أراد خلالها افتتاح ورشته الخاصة إلا أن الظروف لم تكن تسمح بذلك”.
وكيل الجمهورية ينفي تورط الشرطة
نفى فتحي السماتي، المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، في تصريح للإذاعة الخاصة اي اف أم، أن يكون مقتل بن عمارة نتيجة العنف الوحشي للشرطة.
وقال السماتي
اشتبه أعوان الشرطة في حقيبة ظهر كان يحملها (بن عمارة)، وكان شكا اعتياديا. وقد وجدوا في حوزته كمية من مادة الزطلة والكوكايين… إلا أنه هرب في وسط عملية الإيقاف، وطلب الدعم من أصدقائه في الحي… وبعد فترة من هروبه، تدهورت وضعيته الصحية. أخذوه للمستشفى وتوفي هناك.
لم يوضح السماتي كيف تدهورت الحالة الصحية للشاب أحمد، بالمقابل أفاد أفراد من عائلته بأنهم عثروا على آثار رضوض على جثته. كما أن فيديو تمت مشاركته أكثر من 1000 مرة عند تاريخ نشر هذا المقال، يظهر جرحا كبيرا مغرّزا وراء الأذن اليمنى وجرح آخر مماثل على صدر جثمان أحمد.
وليد، الذي يُعرّف نفسه على أنه أقرب أصدقاء أحمد، قال لمشكال/نواة أنه رأى جثة الضحية عند المشرحة وقد ارتسمت كدمات على ذقنه وعلى الجانبين الأيسر والأيمن من رأسه.
رأيته قبل أن يأخذوه للتشريح… لقد كان أنفه ينزف مغرورقا بالدماء.
في الوقت الذي أشارت رواية السماتي إلى فشل السلطة في إيقاف والسيطرة على بن عمارة، فإن أبناء الحي وأصدقاء أحمد يقولون بأنهم عثروا على جثته مكبّل اليدين. وليد يعتقد أن عناصر الشرطة ألقوا بجثة أحمد وهربوا بعيدا عندما اكتشفوا أن أحمد يحتضر متأثرا بجراحه. “كيف كان بإمكانه مقاومة الإيقاف والأصفاد حول يديه؟ هذا أمر مستحيل. كل هذا حدث جراء رفضه التوقف عن دراجته النارية”.
كما أكّدت زوجة أب الضحية، التي لم ترغب بالمناسبة الكشف عن اسمها، هذه الرواية للأحداث. “لقد أخضعه ثلاثة أو أربعة أنفار، ووضعوه في سيارة الشرطة”. هذا ما قالته زوجة الأب للعديد من وسائل الإعلام، من بينهم مشكال/نواة، التي اجتمعت في منزل الضحية يوم الخميس، 10 جوان الجاري. وأضافت “أنا لست ضد قوات الأمن في المطلق، لكن أولئك الذين مارسوا العنف وتلفظوا بعبارات نابية مثل تلك التي كنت أسمعها يوم أمس وأنا حزينة في بيتي، هؤلاء ليسوا برجال أمن”. أفراد آخرون من عائلة الضحية اتهموا السلطات بالكذب وتجنب تحمل مسؤولية القتل”.
تقول كوثر، شقيقة أحمد بن عمارة :”لماذا يخترعون كل هذه الأكاذيب؟ هم يفتعلون ذلك لحماية أنفسهم لأنهم جبناء. لا يأتونك مباشرة ويقولون بوضوح: نعم لقد فعلنا ذلك ونتحمل المسؤولية”. وتضيف “لقد تكونوا بتلك الطريقة: على ممارسة جميع أشكال العنف. كيف تريدهم أن يتغيروا؟ إنهم لا يفهمون سوى الضرب والإعتداء على الناس”.
مطالب لتطبيق العدالة تنتشر في الشوارع
قالت عمة أحمد بن عمارة، التي رفضت الكشف عن اسمها، بأنها تريد أن ترى الأعوان المسؤولين عن مقتل ابن أخيها موقوفين ومكبلين. “يجب أن يتم إيقافهم وعدم إظهار أيّة رحمة معهم كما لم يظهروها معه”. وأضافت العمة في حديثها لمشكال/نواة داخل منزل العائلة “نحن لا نريد سوى تحقيق العدالة لابن أخي”.
خرج الغضب الذي يملأ حي سيدي حسين على مقتل أحمد إلى الشوارع ليلة الثلاثاء 8 جوان 2021، وامتد منذ ذلك التاريخ مع استمرار المواجهات بين سكان الحي وقوات الشرطة. في البداية، حاولت وزارة الداخلية تهدئة الاحتجاجات من خلال إصدار بيان يدعو الناس “إلى تجنب الانسياق وراء الإشاعات والمعطيات المغلوطة التي يتم ترويجها عبر صفحات شبكات التواصل الاجتماعي.”
إلى ذلك، قامت قوات الشرطة يوم الأربعاء بتاريخ 9 جوان الجاري، في قلب المواجهات في سيدي حسين، بتجريد طفل يبلغ من العمر 15 سنة من ملابسه وضربه في فيديو تم تداوله بشكل واسع وأثار موجة من الغضب في الشارع التونسي. دعا البرلمان يوم الخميس الماضي لفتح تحقيق في الحادثة، في حين أن الإدارة العامة للأمن الوطني، الهيكل الإداري داخل وزارة الداخلية المسؤول عن القوات الأمنية، أصدر بيانا نشره على موقع فايسبوك يدّعي بأنه “على إثر قيام دورية أمنية بالتمشيط تم رصد نفر في حالة سكر مطبق” وبأنه “قام بتجريد نفسه كليا من ملابسه أين تمت السيطرة عليه نظرا للحالة الهستيرية التي كان عليها”.
أجرى الطفل القاصر، عقب الحادثة، حوارا بوجه مخفي، قال فيه بأنه كان يتجنب الاشتباكات مع الشرطة، وبأنه لم يستهلك الكحول أو يدخن في حياته، وبأن عناصر الشرطة الذين اعتدوا عليه بالضرب هم من قاموا بتمزيق ملابسه.
هذا وأصدرت وزارة الداخلية، الجمعة الماضية،بلاغا قالت فيه إنها “تُدين هذه التّصرفات” وبأنه “تمّ إيقاف الأعوان المسؤولين عن هذه التجّاوزات عن العمل”.
شباب يافعين من سيدي حسين يقولون بأنهم يتعرضون للتمييز المتواصل من قبل قوات الشرطة لأنهم ينحدرون من حي فقير. “عندما تذهب لوسط العاصمة، يوقفونك فقط لأنك قادم من سيدي حسين”. هكذا تحدث أحد جيران أحمد، رافضا الكشف عن هويته، لمشكال / نواة. آخرون أصروا على ضرورة أن تتوقف قوات الشرطة عن استهداف الشباب في سيدي حسين، وبأنه عليهم مواجهة العدالة بسبب ارتكابهم جرائم قتل سابقة.
“نريد فقط تحقيق العدالة في مقتل أبناء حينا، أحمد وأيمن…، لم يلبسوكم الزي الأمني لتعاملوا الناس بتكبر”، هذا ما قاله يوسف أحد جيران أحمد بن عمارة.
إلى ذلك، عقد رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الجمعة الماضية، لقاءا مع كلّ من رئيس الحكومة المكلّف بتسيير وزارة الداخلية هشام المشيشي، ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان، أبدى فيه “استياءه العميق واستنكاره الشديد لما يحصل هذه الأيام في تونس”، حسب منشور على صفحة رئاسة الجمهورية على فايسبوك.
هذا ويعمل بعض أعضاء مجلس نواب الشعب على مقترح لسحب الثقة من وزير الداخلية بالوكالة، هشام المشيشي.
…
ينشر هذا المقال في إطار الشراكة الصحافية بين موقع نواة وموقع مشكال.