في نوفمبر ، تصدرت القضايا البيئية عناوين الأخبار عندما توفي شخص بعد أن استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع ضد محتجين إثر احتجاجهم على مكب نفايات سامة في عقارب.
تعد هذه الحادثة واحدة من بين العديد من القضايا البيئية التي أججت الغضب العام من سياسات الدولة في السنوات الأخيرة.
سنة 2017 ، دخلت قوات شرطة جديدة أطلق عليها تسمية الشرطة البيئية ، حيز التنفيذ لمعاقبة الملوثين ومخالفي قانون حفظ الصحة. كان تفويضها واسع النطاق ، و يشمل نظريًا كل التجاوزات مثل تلويث المياه من طرف المعامل آو ترك الأثاث في الشوارع من طرف الآفراد آو تشويه الجمالية البيئية و الحضارية.
بعد أربع سنوات ، رافقت مشكال فريق الشرطة البيئية للاطلاع على عمل هذا الجهاز الذي يلقى انتقادات تفيد بأنهم يقضون معظم وقتهم في مراقبة الانتهاكات الصحية في المطاعم أو أكشاك الوجبات السريعة – وهو عمل تجده هذه الشركات قمعيًا. .
جولة مع شرطة البيئة
يوم 30 سبتمبر 2021 في تمام الساعة العاشرة صباحا، رافقت مشكال 13 ضابطا من شرطة البيئية في زيارات فجئية إلى حوالي 17 محل لبيع المواد الغذائية، بالإضافة إلى المطاعم و المقاهي بدائرة سيدي البشير باب الجزيرة الراجع بالنظر لبلدية تونس. دامت هذه الزيارة التفقديّة حوالي 8 ساعات . كان من بين الضباط المناوبين طارق بكير ، رئيس قسم شرطة البيئية لبلدية تونس ، و الوحيد المخول بالتحدث رسميًا إلى مشكال. تمت معاينة حوالي 12 محل من بين الـ17 محل بباب الجزيرة.
كان محل محمود س من أول المحلات التي زارته الشرطة البيئية لتفقد شروط التخزين ، مدى احترام الشروط الصحية ، النّظافة و لباس طاقم العمل. محمود س. يبلغ من العمر 39 عاماً ، أصيل ولاية سيدي بوزيد ، صاحب محل لبيع العصائر والكسكروت حلو في باب الجزيرة بتونس العاصمة. كان محمود يشغل بمحله خمسة موظفين ، وهو ما يكفي للتعامل مع العملاء وأيضًا للحفاظ على المكان وفقًا للوائح الصحية. ولكن ، بعد أزمة Covid-19 ، تغيرت ظروف عمله ولم يعد قادراً على سداد ديونه أو أجور عماله .فاصبح اليوم ، يعتمد على نفسه وعلى يوسف ، الموظف الوحيد الذي يمكنه تحمل تكاليفه ، وهو من يهتم بكل ما يتعلق بالشراء والبيع وإدارة المتجر.
بعد معاينة متجر محمود ، تبين أن لديه عصائر مخزنة بدون ملصقات تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية ، قال الضابط طارق بكير لمشكال أن محمود لا يمتثل للقوانين الصحية بالنظر إلى أنه كان يبيع فواكه منتهية الصلاحية هذا بعد الرجوع الى القانون رقم 25 لسنة 2019 بتاريخ 26 فبراير 2019 المتعلق بالسلامة الصحية للمواد الغذائية والأغذية الحيوانية.
بعد حوالي نصف ساعة من المعاينة لمحل محمود و بعد أن استظهر محمود بالمعرف الجبائي أو ما يسمى بـ “الباتيندا” وبطاقة التعريف الوطنية، و حضور عون الصحة و مأمور الضابطة العدلية لتحرير “وصل في المحجوز” و “وصل معاينة جنحة” بالإضافة إلى استدعاء لمكتب الشرطة البيئية بالبلفدير.
يواجه محمود خطية مالية قد تصل إلى 60 دينارا بسبب التخزين غير السليم للمواد الغذائية وغرامة مالية من 300 إلى 1000 دينار لعدم الامتثال للوائح الخاصة بالمعدات والنظافة وملابس الموظفين.
أخبر أعوان الشرطة البيئية مشكال أن محمود بحاجة إلى جلسة استماع بمقر الشرطة البيئية ، رغم محاولات محمود العديدة لإنهاء المسألة عند محله دون اللجوء الى دفع خطايا مالية.
قال محمود ان هذا التفتيش المفاجئ يرقى إلى شكل من أشكال الاستغلال والانتقام منه من قبل أحد المنافسين، “فهذا الجهاز يعمل وفق شروطه الخاصة التي تعتمد أساسا على الوشاية” دون أن يذكر إسم منافسه.
جهاز الشرطة البيئية في مواجهة الغش التجاري لا التلوث
يأتي تفويض شرطة البيئية حسب القانون عدد 30 لسنة 2016 المؤرخ في 5 أفريل 2016 وفق الأمر الحكومي عدد 433 لسنة 2017 الذي يمنحها سلطة تغريم الأشخاص ما بين 300 و 1000 دينار. تركز معظم الإجراءات التي يعاقب عليها القانون على الأنشطة التي يقوم بها الأفراد ، مثل ترك الأثاث أو إلقاء الفضلات في الطريق العام أو في غير الأماكن المخصصة لها أو حرقها سواء من قبل الأشخاص أو الشركات أو تربية الحيوانات في الأحياء السكنية لأغراض تجارية.
لكن القانون نفسه يفرض أيضًا غرامات على النشاط الصناعي الملوث ، مثلا ، وفقًا للترجمة بخصوص تلويث الأرصفة أو الطرق iort.gov.tn الإنجليزية الرسمية للقانون على موقع
أو الأماكن العامة الناتجة عن تصريف مياه الصرف الصحي المتسببة في إطلاق الروائح الكريهة بسبب الأنشطة الصناعية أو غيرها من الأنشطة أو إلقاء القمامة في الأنهار أو الأودية.
ومع ذلك ، لم يجد مشكال أي دليل على أن شرطة البيئية تطبق هذه الشروط الصحية الصارمة على المصانع وغيرها من الملوثين الكبار.
المصانع والصناعات الكيميائية مقدسات ممنوع المساس بها
“في قابس لا تقوم الشرطة البيئية بأي زيارات ميدانية للمصانع بل تقتصر خدماتها على المدينة فقط ، لا تراقب النفايات الطبية و لا التسريبات الكيميائية” قال خير الدين دباية لمشكال، وهو أحد منسقي منظمة “أوقفوا التلوث”، وهي حركة بيئية في قابس.
فاليوم صنف برنامج الأمم المتحدة البيئي ولاية قابس على أنها من “بؤر التلوث” في البحر الأبيض المتوسط بعد أن كانت تُعرف في يوم من الأيام بتنوعها البيولوجي الغني كمثال فريد لواحة مطلة على البحر ، والتي تتدمّر الآن عمليًا بسبب وجود قطب صناعي مهيب للمجموعة الكيميائية التونسية (GCT) و لهذا التلوث آثار كارثية على الصحة المحلية وكذلك الزراعة ، و منسوب المياه ، والبحر.
تحظر المادة 108 من قانون المياه لعام 1975 في تونس “إلقاء النفايات المنزلية أو الصناعية أو أي مادة في مياه البحر خاصة و أن من شأنها الإضرار بالصحة العامة أو صحة النباتات والحيوانات البحرية”. ومع ذلك ، فقد اعترف حتى كبار المسؤولين الحكوميين بعدم تطبيق هذا القانون. وواصلت جماعات المجتمع المحلية والمواطنون تنظيم تظاهرات مدنية لوقف التلوث.
وأضاف دباية “شرطة البيئية … لا تحمل أي وزن أو سلطة لمواجهة المصانع أو الصناعات الملوثة فالمصانع والصناعات الكيماوية أشياء مقدسة لا ينبغي المساس بها.”
قال توفيق بن عبد الله العضو المؤسس والمتحدث الرسمي باسم جمعية التنمية والبيئة بالكرم
لمشكال إنه غير متأكد مما إذا كانت شرطة البيئية “تهتم أيضًا بالمصانع وتراقب الصناعات التي تلوث البيئة بقدر اهتمامهم بالمطاعم والمقاهي والمتاجر”، لكنه أضاف أنه بغض النظر عن الجاني ، فإن القضاء “لا يأخذ الأمور على محمل الجد” بمجرد إحالة القضايا البيئية إلى المحاكم.
لمعالجة هذه المشكلة ، أوصى تقرير عام 2020 الصادر عن مؤسسة هاينريش بول (HBS) في تونس بعنوان “الشرطة البيئية: الواقع والتحديات والآفاق” ، بإنشاء مكتب قضائي خاص للتعامل مع القضايا المحالة من قبل شرطة البيئية لتسهيل عملية تقييم عملها وإعداد تقرير نشاط دوري لهذا الجهاز وإعداد بروتوكول كوسيلة عمل وتعاون لتجنب التداخل.
وقالت إيناس لبيض ، من دائرة العدالة البيئية في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، إن شرطة البيئية “لم تأخذ على محمل الجد … المؤسسات الملوثة وحتى التلوث من المواطنين ، وهذا واضح بشكل خاص في الانتهاكات المتزايدة.”
ماذا نعني بالبيئة
مع كون “اللامركزية” موضوعا رئيسيًا في السياسة التونسية في السنوات الأخيرة ، فقد تطلع الكثيرون إلى إنشاء شرطة البيئية التي تعمل على المستوى المحلي داخل البلديات كجزء من جهود اللامركزية.
أشار تقرير“هينريش بول” أن “الشرطة البيئية تمثل تطوراً جديداً في قوانين اللامركزية التونسية.”
لكن أحد التحديات هو أن تعريف “البيئة” واسع للغاية ، حسب لانا سلمان ، الباحثة في الإدارة الحضرية والتنمية الدولية.
“لا تحدد أي من المقالات ما معنى ” البيئة ” بل هي فقط تجمع بين البيئة والنظافة والصحة العامة، هذه ليست مجرد مسألة تعريفات لأن نفس اللجنة التي تدير “البيئة” تم تكليفها أيضًا بمسؤوليات إدارة النفايات الصلبة والصحة العامة” أشارت سلمان في دراسة حديثة بعنوان” البيئة بعد اللامركزية: السياسة المحلية إدارة النفايات الصلبة في تونس.”
كما أشارت سلمان أنه “من غير الواضح ما إذا كانت البلديات تستخدم سلطاتها لمعاقبة الملوثين. نظرًا لأن معظم البلديات تعاني من نقص التمويل ، فإن بعضها لا يمتلك قوة شرطة بيئية ، بينما لدى البعض الآخر نقص في عدد أعوان الشرطة لتغطية مناطق واسعة فيصبح التنفيذ انتقائي.”
شرطة البيئية تدافع عن دورها
تم إحداث جهاز الشرطة البيئية مؤخرًا ، في 13 يونيو 2017. عند إطلاقها ، استخدمت 300 عون يعملون في 70 بلدية في جميع أنحاء البلاد. كانت في البداية تحت إشراف وزارة الداخلية ولكن سرعان ما تم نقلها إلى وزارة البيئة والشؤون المحلية مع صلاحيات مرتبطة مباشرة بالمجالس البلدية. منذ ذلك الحين ، استمرت قوات الشرطة البيئية في التوسع الى اليوم ، فوصل عدد عناصرها الى 800 عون شرطة بيئية يعملون في أكثر من 140 بلدية ، من الناحية الفنية تحت سلطة رؤساء البلديات ، بحسب طارق بكير ، رئيس قسم الشرطة البيئية في تونس.
وقال بكير إن فرقهم المكونة من أربع سيارات تغطي 15 منطقة في ولاية تونس الكبرى يتم تحرير مخالفات بمعدل 15 مخالفة في اليوم الواحد و للفريق الواحد تتمثل في استغلال الأرصفة إلى جانب معاينة مخالفات تتعلق بالصحة العامة أو بإلقاء الفضلات أو مخلفات البنايات والحجارة في غير الأماكن المخصصة لها.
أضاف بكير: “نسعى إلى تعزيز ثقافة بيئية من خلال الشرطة البيئية التي تتجاوز حدود الوعي وتجعل المواطن مشاركًا نشطًا في نظام الحفاظ على البيئة”. “أؤكد لكم أن شرطة البيئية تعمل بشكل مستمر ويومي للحد من ظاهرة الاحتيال ولحفظ مصلحة المواطن وسلامته فوق كل شيء “.
أما عن سبب عدم تمكنهم من فعل المزيد للسيطرة على التلوث ، قال بكير إن قوات الشرطة لديها قدرات وموارد محدودة تحت تصرفها ( السيارات والإلكترونيات والكاميرات الأمنية) تعد غير كافية لمطابقة الحجم الهائل للانتهاكات اليومية.
على الرغم من قلة مواردهم، آكّد بكير و أعوان الشرطة البيئية لمشكال أن عملهم مهم للصحة العامة ، خصوصا عند تفطنهم لوجود مطاعم كبرى وشعبية تستخدم الجبن واللحوم والأسماك الفاسدة ، وغالبًا ما يتم تخزينها في ثلاجات مكسورة.
لكن التونسيين مثل بائع السندوتشات محمود س. الذي صدر بحقه غرامة، يرون أن شرطة البيئة ظالمة ومضيعة للمال العام.
تحدث مشكال أيضًا مع أصحاب الأعمال الصغرى الآخرين المتأثرين بشرطة البيئة مثل منجية وفتحي، وهما زوجان يمتلكان متجرًا لبيع الحلويات التقليدية في باب الفلة. كانت شرطة البيئة قد زارت محلهم في وقت سابق من العام ، وصادرت أجهزتهم ، وألزمت الزوجين بدفع رسوم لمختلف المخالفات المتعلقة بتخزين الطعام.
أخبر الزوجان مشكال أنهما لم يستطيعا دفع الغرامات ، فقد فرضت شرطة البيئة عليهم شروطًا مرهقة قبل أن يسمح لهم بإعادة تشغيل المحل ، مما أجبرهم على إغلاق المحل في شهر جوان.
في الجولة الصباحية التي قامت بها مشكال مع شرطة البيئة عبر أسواق تونس في أواخر سبتمبر ، أعرب شخص واحد فقط من أصل خمسة شملهم الاستطلاع عن دعمه لشرطة البيئة: و هو الحاج فتحي، صاحب محل لبيع التوابل ، الذي قال إنه يعتقد أنهم يقاتلون الفساد والاحتيال التجاري بشكل فعال.
كما أن نقابات الشرطة مستاءة من القوة الجديدة ، التي يرون أنها تجاوزت سلطاتها في اعتقادهم أنه لا ينبغي تسميتهم بجهاز “الشرطة” لبيئية.
وقال وسيم محمودي ،المكلف بالإعلام بنقابة إقليم الأمن الوطني التونسي ، إن “النقابات الأمنية … طالبت الجهات المعنية باتخاذ إجراءات ضد تسمية هذه المجموعة بـ’الشرطة ‘، مشيرا إلى تداخل اسم” الشرطة “مع اسم قوات الأمن الوطني. فضلا عن تداخل المهام الذي سبب لهم بعض المشاكل التي وقع حلّها.
وأضاف محمودي أنه يرى أن لشرطة البيئة سمعة سيئة ، وأن السلطات بحاجة إلى إصلاح موظفي أعوان الشرطة البيئية “لتأخذ بعين الاعتبار مصالح المواطن ومصداقية ومكانة الإدارة”. (انتقد كثيرون آخرون جميع قوات الشرطة ووصفوها بأنها قمعية وطالبوا بحل النقابات الأمنيّة بشكل عام.)
وقال بكير ، رئيس قسم الشرطة البيئة بتونس العاصمة ، إنه متعاطف مع مثل هذه الانتقادات:
“فنحن كشرطة بيئية نتفهم هذا النقد والأسئلة والشائعات التي يتم تداولها في المقام الأول فيما يتعلق بتعيين الجهاز ك “شرطة”. لقد أقسمنا على خدمة تونس كأعوان بلدية قبل كل شيء ، ومصطلح الشرطة استُخدم لردع أي شخص يخالف القانون فقط “.