قام فريق من المتطوعين بترجمة هذا المقال من اللغة الإنجليزية.
بدأت حلقة نقاش عادية في تونس العاصمة صباح يوم الثلاثاء 30 أفريل. في احد اطراف الغرفة تناوب المتحدثون على تقديم العروض، بينما جلس عشرات الأشخاص في صفوف من الكراسي التي تواجههم يستمعون بهدوء. تشوش هذا المشهد المألوف عندما وقفت مجموعة من المعترضين في الصفوف الخلفية وبدأوا يغنون على لحن النشيد المناهض للفاشية “بيلا تشاو”. أما كلمات الأغنية فكانت من كلمات المحتجين، وقد كتبت خصيصا لهذه المناسبة، بما في ذلك أبرزها الأليكا اهو استعمار جديد”. بدأ العديد من أعضاء الجمهور في استخدام هواتفهم المحمولة لتصوير المعترضين الذين غنوا ورددوا وحملوا لافتات قد صنعوها بنفسهم لمدة خمس دقائق قبل مغادرة الغرفة. وفي وقت لاحق، تم مشاهدة مقاطع الفيديو التي تم تسجيلها من قبل المحتجين أنفسهم ما يقرب من 70000 مرة على موقع التواصل الجتماعي “فيسبوك” ، وفقًا للإحصاء التلقائي للموقع.
الأليكا هو الاسم المختصر باللغة الفرنسية لاتفاقية التجارة الحرة العميقة والشاملة و التي يجري التفاوض عليها حاليًا بين تونس والاتحاد الأوروبي. وقد أبرمت تونس والاتحاد الأوروبي سابقا اتفاقية شراكة يعود تاريخها إلى عام 1995 تنص على التجارة المعفاة من التعريفات الجمركية في السلع الصناعية و بعض السلع الزراعية. اما الاتفاقية الجديدة فهي أوسع نطاقًا تشمل مجالات الزراعة والخدمات والمبادئ التوجيهية التنظيمية الواسعة التي تغطي أدق التفاصيل بدءًا من الملكية الفكرية الى إجراءات المشتريات العامة وحتى معايير الصحة الغذائية. وقد عُقِد اجتماع 30 أفريل بعد يوم واحد من بدء الجولة الرابعة من المفاوضات.
وقد بدأت مفاوضات الأليكا التجارية في أكتوبر 2015. وجرت الجولة التفاوضية الأولى في أفريل 2016. ولكن في الأشهر الاخيرة، على إثر المزيد من التدقيق في مضمون الصفقة و اثارها المتوقعة على الاقتصاد التونسي، بدأت المعارضة ضد الاتفاقية تتصاعد.
“لا يوجد أي حافز للاقتصاد التونسي” قالت إيناس محمود ل”مشكال”، وهي ناشطة ومنظمة في المجموعة التي تطلق على نفسها اسم مجموعة التصدي للآليكا ثم استطردت “اتفاقية أليكاً هي اتفاقية استعمارية جديدة … الاستعمار بهذا المعنى يعني شكلاً من أشكال التبعية والاستغلال والسلطة على بلد آخر.”
لدى معارضو الأليكا مخاوف عديدة. ففي مجال الزراعة على سبيل المثال يزعم البعض بأن تحرير الأسواق الزراعية من شأنه أن يسمح بإلقاء السلع الزراعية الأوروبية المدعومة بشدة على السوق التونسية، وهي قضية تم تسليط الضوء عليها مؤخرًا في دراسة بعنوان “الإعانات الزراعية الأوروبية: نقطة عمياء في المفاوضات حول تحرير التبادل الزراعي” بقلم شفيق بن روين، رئيس البحوث الكمية في المرصد التونسي للاقتصاد. ويقدر البعض أن هذا قد يؤدي إلى التعطل عن العمل لأكثر من 100000 مزارع تونسي وخاصة مزارعي الحبوب-بينما أثارت جمعيات ومجموعات بحثية أخرى إنذارات بشأن استخدام الأراضي والمياه التي يمكن إعادة توجيهها نحو محاصيل التصدير بدلاً من إنتاج ما يكفي من الغذاء محليًا للمستهلكين التونسيين. وجادل آخرون بأن حماية الملكية الفكرية الواردة في الأليكا ستنظم براءات الاختراع في مجال الطب وإنتاج الأدوية بطريقة من شأنها أن تزيد أسعار الأدوية، وهو ما قد حصل في صفقات تجارية مماثلة في دول أخرى. وفي حين أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي غير مطروح في المفاوضات – مما يعني أن تونس لن تكون قادرة على التصويت و تقرير قواعد الاتحاد الأوروبي ولوائحه يبدو أن الأليكا بشكلها الحالي تتضمن شروطا تلزم تونس بتحديث قوانينها وفقًا لقوانين الاتحاد الأوروبي.
ما هو دور المجتمع المدني؟
ساعدت مجموعة التصدي للأليكا ، وهي جزءا من تحالف أوسع من مجموعات المجتمع المدني التي تعارض الأليكا، في تنظيم الحراك الاحتجاجي يوم 30 أفريل. وقد كان هشام بن احمد من بين المشاركين في حلقة النقاش يومذاك، وهو رئيس فريق التفاوض التونسي والذي يشغل أيضًا منصب وزير النقل. كما حضر الحلقة إيجناسيو غارسيا بيرسيرو، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي. تم وصف هذه المناسبة كفرصة لفتح النقاش للمجتمع المدني رغم انه لم يتم الإعلان عنها، وفقًا لنشطاء من المجموعة. اما على موقع الدولة التونسية الرسمي المروج لاتفاقية ، فيشير القسم الخاص بمشاركة المجتمع المدني الى ان منظمات المجتمع المدني التي ترغب في المشاركة، عليها ان تملأ نموذج طلب، في حين ان المنظمات التي سجلت سابقا يمكنها الاستفادة من “فرص للاجتماعات المميزة”.
وقالت ايناس محمود “إن اجتماعات المجتمع المدني هذه مفتوحة من الناحية النظرية أمام المجتمع المدني التونسي، لذا ذهبت مجموعة من الناشطين إلى هناك …”.
رأى بعض المشاركين في احتجاج 30 أفريل أن التشويش الذي قام به المحتجين هو دليل إيجابي عن النقاش الصحي. فبالمثال قام غازي بن أحمد، رئيس ومؤسس مبادرة تنمية البحر المتوسط و الذي تشير بياناته الشخصية على “لنكدان” إلى أنه كان سابقا خبيرًا اقتصاديًا في المفوضية الأوروبية يعمل “لتحسين القدرة التنافسية لصناعة المنسوجات والملابس الأوروبية”، بنشر مقطع من فيديو الاحتجاج على حسابه على موقع” تويتر”. وكتب في “تويتر”: “هذا النوع من المظاهرة صحي ويثبت أننا بالتأكيد على طريق الديمقراطية في تونس”.
يدرج في قائمة “شركاء” مبادرة تنمية البحر المتوسط على موقعها على الإنترنت شركات متعددة الجنسيات بما في ذلك شركة الأدوية “ميرك“. ألّف غازي بن أحمد كتاب من 91 صفحة عنوانه “دليل الأليكا”، والذي نشرته مبادرة تنمية البحر المتوسط و مؤسسة كونراد أديناور على موقع الأليكا الرسمي الذي يوّكد أن الأليكا “تعتزم مساعدة المواطنين” في العديد من الأنشطة الاقتصادية.
بعد أن ظهر شريط الاحتجاج على وسائل التواصل الاجتماعي، قال نشطاء من المجموعة إنهم سمعوا من المشاركين الآخرين أن هشام بن أحمد، كبير المفاوضين التونسيين، قال إنه يود مقابلة المحتجين لإجراء مناقشات. لكن بعض النشطاء المرتبطين بمجموعة التصدي للاأيكا أخبروا مشكال أنهم لا يعتقدون أنه سيكون من المفيد مقابلة فريق التفاوض التونسي، حيث يركز الكثيرون جهودهم بدلاً من ذلك على التنظيم الشعبي أو التواصل مع البرلمان.
وقالت هنده شناوي لـ “مشكال”، وهي ناشطة في مجموعة التصدي للأليكا: “إننا لا نحاول إصلاح المفاوضات، بل نحاول منعها”.
النقابات تخرج ضد الأليكا
وفي اليوم التالي للاحتجاج، الأول من ماي وهو اليوم الدولي للعمال، كانت مجموعة التصدي للأليكا واحدة من عدة مجموعات شاركت في مسيرة إلى شارع الحبيب بورقيبة وهو الشارع الرئيسي في وسط المدينة. بدأت المسيرة في مقر الاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة العمالية الرئيسية في تونس ومؤسسة لعبت دورًا تاريخيًا في نضال تونس من أجل الاستقلال من الحكم الاستعماري الفرنسي. وبعد يومين، أي في 3 ماي، أصدر الاتحاد العام التونسي للشغل بيانًا يدعو الحكومة التونسية إلى وقف المفاوضات بشأن الأليكا.
“تدورهذه المفاوضات في ظل تعتيم كامل على محتواها و غياب التفويض البرلماني، ودون تقييم جدي لانعكاسات اتفاق الشراكة لسنة 1995” ، يقول بيان الاتحاد.
يأتي انتقاد الاتحاد لشفافية المفاوضات مع العلم ان الاتحاد مذكور على موقع الأليكا في قائمة مجموعات المجتمع المدني المدرجة في “آلية المشاركة” للمفاوضات.
يرى النشطاء الذين يضغطون من أجل إيقاف المفاوضات في موقف الاتحاد دليلا على أن الحركة المناهضة لـلأليكا تكتسب زخماً.
وفي يوم الأحد 12 ماي، شعر رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد بأنه مضطر للتطرّق لظاهرة معارضة مفاوضات الأليكا خلال خطاب ألقاه أمام الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري في قاعة المعارض بقصر المؤتمرات في تونس العاصمة بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لقيام تأميم الأراضي التونسية التي سبق استعمارها.
وقال الشاهد مشيرا إلى لافتات الاحتجاج في الجزء الخلفي من قاعة المؤتمرات “طبعا فما موضوع مانّجمش نكون بيناتكم اليوم من غير ما نحكي عليه، و هوا نشوف فاللافتات، و هو برشى كلام قاعد يتقال بخصوصه، اتفاقية الشراكة و التبادل الحر الشامل و المعمّق- الأليكا.”

وقد كُتِب على إحدى اللافتات التي سجلتها كاميرات من محطة التلفزة التونسية الوطنية “الأليكا هي الرصاصة التي ستقضي على ما تبقّى من الفلاحة”. ولافتة أخرى أعلنت أن: ” التوريد = دعم للفلاح الأوروبي.”

وقال الشاهد “أي اتفاق متكونش فيه تونس رابحة، أي اتفاق ما ياخذش بعين الاعتبار مصلحة القطاع الفلاحي، احنا ماناش بش نمشيو فيه”.
وقد جاءت تعليقات الشاهد في أعقاب مقدمة من طرف عبد المجيد الزار، رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري الذي انتقد اتفاقية الأليكا بشدّة.
و قد قال عبد المجيد الزار في عرضه: “عبّرنا بصوت عالي عن موقفنا الرافض رفضا قطعيا لتوقيع اتفاقية التبادل الحر و الشامل و المعمّق مع الإتحاد الأوروبي ‘الأليكا‘ بصيغتها حالية لأننا تكونوا بذلك قد وقّعنا على قرار ضرب الفلّاح التونسي و تدمير الفلاحة التونسية .”
وتتفاوت نتائج الدراسات المتعلقة بالآثارالمحتملة للأليكا. فقد وجد “تقييم لدعم” الأليكا الذي تم إجراؤه قبل بدء المفاوضات في عام 2013 بتمويل من المفوضية الأوروبية أن تونس ستشهد زيادة بنسبة 7 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي نتيجة للاتفاق. لكن دراسة حديثة أجرتها المؤسسة النمساوية لأبحاث التنمية في سنة 2018 وبتمويل من الوزارة الفدرالية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية وجدت أن الناتج المحلي الإجمالي لتونس سينخفض ”بنسبة 0.52 ٪ في حالة التحرير الكامل للتعريفة الجمركية عند كلا شريكي اتفاقية التجارة الحرة.” وتظهر دراسة عام 2013 التي تدعم الأليكا على صفحة “الدراسات والإحصائيات” في الموقع الرسمي التونسي المخصص للأليكا. إلا أن دراسة 2018 التي أجرتها المؤسسة النمساوية لأبحاث التنمية لم تظهر على الصفحة، وذلك اعتبارًا من 18 ماي 2019.
ووفقا لدراسة المؤسسة النمساوية لأبحاث التنمية ، “سوف تتأثر الحبوب والمشروبات الغذائية التونسية سلبًا بارتفاع المنافسة من الواردات من منتجات الاتحاد الأوروبي، بينما سوف تستفيد قطاعات محددة فقط في تونس (الزيوت النباتية والخضروات / الفواكه) بشكل طفيف.”
وفي مقابلة نشرها برّ الأمان في جانفي 2019، قال كبير المفاوضين في الاتحاد الأوروبي إجناسيو غارسيا بيرسيرو :”بما أن تونس تمثل 0.5٪ من إجمالي التجارة في الاتحاد الأوروبي، فإن المصالح التجارية للاتحاد الأوروبي في تونس محدودة نوعًا ما”. ومع ذلك، فان حوالي 80 في المائة من صادرات تونس تذهب إلى أوروبا، وفقا لبيانات عام 2017، مما يشير إلى وجود علاقة تجارية غير متوازنة الى حد كبير. اما بالنسبة للتأثير المحتمل على القطاع الزراعي التونسي نتيجة التعرض للمنافسة من أوروبا، يشير بيرسيرو في المقابلة نفسها أن تونس قد تلقت بالفعل 214 مليون يورو لدعم “زيادة القدرة التنافسية والاستدامة في القطاع الزراعي وتسهيل الصادرات وتنويعها”.
لكن بعض المتشككين ينتقدون بشدة نوايا أوروبا. وقد كتب هيثم قاسمي، وهو كاتب تونسي وطالب دكتوراه في جامعة مونتريال، في مقال حظى على اهتمام واسع إثر نشره في صحيفة لوموند يوم الجمعة 17 مايو ان الأليكا ” في صميم علاقة الاستعمار الاقتصادي الجديد العدائي”. الأليكا “هو مشروع استعماري جديد يهدف إلى القضاء على أي إمكانية للسيادة الاقتصادية لتونس من خلال تهميش أو حتى القضاء على قطاعات حيوية من الاقتصاد مثل الزراعة والصحة والخدمات … [فهو] مشروع للاعتماد الاقتصادي الكلي.”
في الشوارع ضد اليكا
ويتردد صدى وجهة نظر قاسمي من قبل العديد من النشطاء الذين ينظمون للتصدي للأليكا . فعند غروب الشمس يوم الجمعة 17 ماي، بدأ نحو اثني عشر ناشطا في التجمع على رقعة من العشب بجانب برج الساعة في شارع الحبيب بورقيبة. كان الشارع المركزي الصاخب عادةً خاليا تمامًا وهادئا جدًا حيث كان معظم التونسيين في المنزل للإفطار ومشاهدة المسلسلات التلفزيونية التي يتم إنتاجها خصّيصا لشهر رمضان. وكان رجال الشرطة في ثياب مدنية قد وصلوا للتعرف على المجموعة الصغيرة قبل الإفطار.
وقال أحد الناشطين “قلنا لهم يا وخيّان، نحن نقول لكم مسبّقا عندما نتوقع أي توتر أثناء احتجاجاتنا. ولكن هذه المرة سنتناول بعض الطعام وندردش ونوزع منشورات تتحدث عن الاقتصاد.”

ففي جانفي 2018، اعتقلت السلطات التونسية ما لا يقل عن 50 ناشطًا من حركة فاش نستناو إما لتوزيع منشورات أو كتابة شعارات على الجدران، حسب هيومن رايتس وتش. حشدت تلك الحركة في المقام الأول لرفض التقشف الاقتصادي وإقرار ميزانية عام 2018 التي خفضت الإعانات وزادت من الضرائب المفروضة على الاستهلاك.
ولكن لم يتم القبض على نشطاء يوم الجمعة. وكان لدى الكثير ممن تجمعوا خبرة سابقة في النشاط أو هم جزء من مجموعات المجتمع المدني التي تعمل من أجل التغيير السياسي والاجتماعي. ومع ذلك، كان بعض المشاركين جدد على النشاط وقالوا إنهم حضروا للمشاركة بعد أن شاهدوا الحدث مشتركًا على “فيسبوك”. وبعد تناول وجبة الافطار ومناقشة لاحقة بين المشاركين، انقسمت المجموعة إلى مجموعات من أربعة أشخاص لتوزيع منشورات على أشخاص بدأوا يتدفقون على شارع بورقيبة للتجول وتناول القهوة بعد الإفطار.
بل إن قامت مجموعة من النشطاء حتى بتوزيع منشورات مناهضة لـلأليكا إلى رجال الشرطة المتمركزين في الشارع، حيث قدّم بعض رجال الشرطة ردودًا إيجابية وقال احدهم “نحن معكم”.

“كفاحنا من أجل سيادة تونس.” قال أحد النشطاء طالبا من مشكال عدم استخدام اسمه، مضيفاً أن “مهمّتنا هي جعل الناس يعرفون الأليكا”.
الأليكا باسم آخر؟
في حين أن التقدم البطيء لاتفاقية الأليكا والمعارضة المتزايدة للاتفاقية أثارت تساؤلات حول مرورها في نهاية المطاف، هناك بعض المؤشرات على أن منتقدي الأليكا يعملون ضد مدار الساعة.
وقال جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد في بروكسل يوم 24 أفريل 2018: “لقد وافقنا على إبرام [الأليكا] خلال سنة 2019 على أبعد تقدير لأنني أود، بموجب ولاية هذه اللجنة، أن يتم التوصل إلى هذا الاتفاق بشكل نهائي”.
عندما قام ناشطون مرتبطون بمجموعة التصدي لاليكا بتسليم منشورات لمدة ساعة في شارع بورقيبة يوم الجمعة، أفادوا بأن معظم الأشخاص الذين تحدثوا معهم لم يسمعوا بمشروع القانون.
كما لا يزال يتعين على البرلمان التونسي التصويت على الأليكا حتى يتم سنّها، وفقا للمادة 67 من دستور 2014. لكن الناشطين يشعرون بالقلق من أن البرلمان التونسي قد يمرر أجزاء من الاتفاقية دون تمريرها بأكملها. ويقول البعض أن عناصر معيّنة من الأليكا قد تم إقرارها بالفعل من قبل البرلمان أو أنها دخلت قانون تونس بموجب مرسوم. وفي مقابلة مع بر الأمان أعطت مهى بن غضة، مديرة البرامج الاقتصادية في مكتب مؤسسة روزا لوكسمبورغ في شمال إفريقيا، موافقة تونس على قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص على سبيل المثال، والاتفاق بشأن تقييم المطابقة وقبول المنتجات الصناعية بمختصرها الفرنسي، والاتفاقية مع مكتب براءات الاختراع الأوروبي.
ومن الامثلة الأخرى على ذلك “القانون رقم 25 لعام 2019 الصادر في 26 فيفري 2019 بشأن صحة الأغذية والأغذية الحيوانية”، الذي أقرّه البرلمان التونسي والذي يتوافق مع فصل أليكا المتعلق بالقواعد الصحية والصحة النباتية، وفقا لإيناس محمود.
“اعتماد هذا القانون يهدف إلى التقارب مع قوانين الاتحاد الأوروبي.” أخبرت ايناس محمود مشكال “كان يجب التفاوض على ذلك”.
واستطردت ايناس محمود، “بالنسبة للاتحاد الأوروبي، من الواضح جدًا أنه طالما لم يتم إحراز تقدم في المفاوضات من الجانب التونسي وطالما لم يكن واضحًا أن الجانب التونسي سيمضي في توقيع الاتفاق قريبًا ، فسوف يمارس الاتحاد الأوروبي الضغط من خلال فرض الشروط المرتبطة بالقروض والمساعدة المالية الكلية وأيضًا من خلال برامج المساعدة الفنية الممنوحة لتونس من قبل الاتحاد. بالنسبة لنا هذا هو ما يندرج تحت مصطلح الاستعمار الجديد. بهذه الطريقة، يمكن أن يحاول الاتحاد الأوروبي إدراج أجزاء من الأليكا في الشروط، التي يتعين على تونس الوفاء بها من أجل الحصول على شرائح من القروض، ليتم إقرارها كتشريع وطني قبل التوقيع على الاتفاق كما هو “.
والتنبيه بترابط شروط مساعدة الاتحاد الأوروبي بالإصلاحات المتعلقة الأليكا ليس بأمر جديد. ففي دراسة أجريت عام 2017 بعنوان “ الأليكا :أداة رئيسية لسياسة الاتحاد الأوروبي”، قامت جيهان شندول، رئيسة قسم أبحاث السياسات والمناصرة في المرصد التونسي للاقتصاد، بالربط بين المساعدات والمفاوضات التجارية. وفي نفس الدراسة كتبت جيهان شندول “في أبريل 2017، منح الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات مالية كبيرة ثانية إلى تونس، قيمتها 500 مليون يورو. وبعد بضعة أسابيع، تم إحياء عملية المفاوضات الخاصة باتفاقية التجارة الحرة الأوروبية من خلال إنشاء لجان التفاوض.”
تم التصويت على القانون رقم 25 الخاص بالمعايير الصحية، حيث صوت 100 عضو في البرلمان مؤيدا، ولم يمتنع أحد عن التصويت ، وصوت واحد معارض ، وفقًا لإعلان التصويت الذي تم نشره على صفحة البرلمان التونسي على “فيسبوك”. ولم تتوفر تفاصيل أخرى عن التصويت وعن الأعضاء بالتحديد الذين صوتوا لصالحه لا على الموقع الرسمي للبرلمان ولا على موقع مرصد مجلس، وهو مشروع تديره المنظمة غير الحكومية “البوصلة” التي تراقب البرلمان.
وقالت ايناس محمود “أنا أسأل نفسي أين المعارضة؟ أين الجبهة الشعبية، أين التيار، أين الحزب التقدمي الديمقراطي؟ أين الناس في النهضة والأحزاب الأخرى الذين يقولون إنهم يريدون احترام الاقتصاد الوطني، وأنهم يريدون حماية القطاع الزراعي التونسي وليس تدميره، لأن هذا هو بالضبط ما فعلوه عندما سمحوا لهذا القانون بالمرور. و من المهم للغاية، في المستقبل، الا يتم تنفيذ أجزاء أخرى من الأليكا مقدمًا في شكل قوانين وطنية. “