الفيسبوك يعطل حسابات عدد من المدونين والصحفيين والفنانين

لقطة شاشة للقطة شاشة أخرى كانت سارة بن حمادي قد نشرتها على حسابها في تويتر (Sarah_bh@). وتوثق الصورة لرسالة تعطيل حساب بن حمادي على الفيسبوك يوم 29 ماي 2020.

عطل الفيسبوك يومي 29 و30 ماي حسابات مجموعة من التونسيين داخل وخارج حدود تونس. وكان من ضمن من شملتهم الحملة مجموعة من المدونين والصحفيين المشهورين الذين سبق وأن تعرضوا للحجب من طرف السلطات التونسية قبل ثورة 2011 وحتى بعدها. وتضرر من نفس الحملة أيضا عدد من الفنانين ورجال وسيدات الأعمال الذين يعتمدون على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” لتسيير أعمالهم.

في أول الأمر، لم يقدم الفيسبوك أي بيان علني لتفسير ما جرى. ولكن الشركة نشرت تقريرا  يوم 5 جوان، أي بعد أسبوع من العملية، تقول فيه أنها حذفت 182 حسابا لأشخاص ادعت أنهم ضالعون فيسلوك زائف منسق _ وهي عبارة تقنية تعني الاشتراك في حملة دعائية باستعمال الفيسبوك. وتزامن نشر الفيسبوك لهذا البيان مع نشر مختبر الأبحاث الجنائية الرقمية التابع لمركز البحوث الأمريكي “أتلانتيك كاونسل”والمعروف ب”الدي إف آر لاب” نتائج تحقيق دام لمدة تسعة أشهر حول شبكة تونسية تستخدم الفيسبوك لممارسة أنشطة دعائية. ولم يوضح أي من التقريرين مدى ارتباط الحسابات المذكورة بشبكة الدعاية السياسية التي كشفها تقرير مختبر”الدي إف آر لاب”، ولم يفسر أي منهما أيضا المنهجية التي اعتمدها الفيسبوك لإثبات العلاقة بين هذه الحسابات والشبكة الدعائية .

اتصل النشطاء الحقوقيون المهتمون بالحقوق الرقمية والشفافية المعلوماتية بالفيسبوك بين 29 ماي و5 جوان للاستفسار عن حملة تعطيل الحسابات التي قامت بها الشركة. وفي بعض الحالات، طعنت هذه المنظمات في قرارات الحذف وضغطت على الفيسبوك  لاسترجاع بعض الحسابات. نجحت هذه الجهود في إقناع الشركة بإلغاء قرارات تعطيل العديد من الحسابات؛ ولكن يبدو أن بعض النشطاء الحقوقيين أعادوا تقدير موقفهم تجاه الحملة عندما أعلن الفيسبوك – دون تقديم أدلة مفصلة وعلنية- أنّ مجموعة من الحسابات التي تم تعطيلها كانت مرتبطة بحملة دعائية أثناء انتخابات 2019.

حاورت “مشكال” العديد من الأشخاص الذين تضرروا من الحملة وقد أكدوا لنا أنه لا علاقة لهم بالدعاية الانتخابية المذكورة. منهم من استرجع حسابه بسرعة بعد أن تدخلت لصالحه بعض المنظمات والشخصيات القريبة من فيسبوك ولكن الكثيرين ممّن لم يتدخل لصالحهم أحد لا يزالون ينتظرون رفع الحظر عن حساباتهم.

ولتوضيح الصورة وتوثيق هذه الأحداث بطريقة أفضل، نعرض الموضوع وفقا للمحاور التالية:

1. حسابات المدونين والصحفيين المعطلة؛

2. حسابات الفنانين ورجال وسيدات الأعمال المعطلة؛

3. ردود إدارة فيسبوك؛

4. تدخل منظمات المجتمع المدني؛

5. حرب الإشراف على المحتوى؛

يمكنكم أيضا الاطلاع على مقال “مشكال” المنشور يوم 29 سبتمبر الماضي حول دور فيسبوك في السياسة التونسية.

حسابات المدونين والصحفيين المعطلة

عندما اكتشفت سارة بن حمادي ليلة الجمعة 29 ماي أن حسابها على الفيسبوك معطل، قالت “اعتقدت أن أحدهم قد اخترق حسابي”. وأضافت بن حمادي في حوار هاتفي مع “مشكال”، “حسابي شخصي جدا، لا أضيف فيه سوى أصدقائي ولا أتحدث في السياسة أصلا، فالفيسبوك بالنسبة إلي كان دائما مساحة شخصية”.

نشرت بن حمادي في حسابها على تويتر لقطة شاشة تظهر الإشعار الذي تلقته من الفيسبوك، فتويتر بالنسبة إليها فضاء تشارك فيه أفكارها السياسية مع أكثر من 130.000 شخصا من المتابعين لحسابها. يقول الإشعار بأن “القرار نهائي” وأن الفيسبوك “يأسف لعدم مدّها بمزيد من المعلومات حول أسباب إغلاق حسابها وذلك لدواعي أمنية”.

أما هيثم المكي، المدون والمعلق السياسي المشهور الذي يعمل بإذاعة “موزاييك إف إم” ويقدم برنامج “ميدي شو” أحد أكثر البرامج  السياسية شعبية في تونس،  فقد صرح لمشكال بأنّ “الرسالة التي وصلتنا هذه المرة تعتبر سابقة. فقد أعلمنا فيسبوك أنّه لم يعد لنا الحق في استخدام حساباتنا وأنّ القرار نهائي”. وكان الفيسبوك قد أغلق الحساب الشخصي والصفحة الرسمية لهيثم المكي بعد أن وصله هو أيضا نفس البلاغ الذي تلقته بن حمادي.

وأردف المكي قائلا: “عادة، عندما نتعرض لحملات إبلاغ جماعية منسقة، يحدث أحد أمرين: إمّا أن نقدم وثيقة إثبات هوية أو يتم إعلامنا بأننا خالفنا قواعد الفيسبوك وأنّ حساباتنا معطّلة بصفة مؤقتة، وفي هذه الحالة يمكننا طلب تحقيق في الأمر”.

في جانفي 2011 ، أي خلال أيام الثورة التونسية ضد نظام الرئيس زين العابدين بن علي، انتشرت أخبار مفادها أن حساب المكي على فيسبوك تم اختراقه وحذفه؛ وأشارت بعض المعطيات آنذاك بأنه من المحتمل أن تكون أجهزة الدولة هي من يقف وراء العملية.

وأضاف المكي: “أعتقد أن الفيسبوك في تونس اليوم أصبح أهمّ من أي وقت مضى، فهو مصدر أساسي للمعلومة بالنسبة للعديد من المواطنين التونسيين، ولكنه مصدر مضر جدا، لأن التلاعب بالمعلومات في هذا الموقع سهل، وبالتالي يصبح من الضروري القيام بكل ما هو ممكن لمكافحة الأخبار الزائفة والدعاية والخداع”.

أما بن حمادي فهي تفضل استخدام تويتر لأن ثقتها بالفيسبوك محدودة. تقول هذه المدوّنة: “أنا لا أثق في فيسبوك لأسباب أمنية ولأسباب أخرى يعرفها الجميع؛ ففيسبوك مثلا يشارك بياناتنا الشخصية مع أطراف خارجية… ولهذا لم أستخدمه أبدا بنفس الطريقة التي أستخدم بها تويتر”.

شملت حملة إغلاق الحسابات المدون المشهور باسم: “آرابستا”، و”آراباستا” هو اسم مستعار استعمله المدون أول الأمر لتجنب الاضطهاد  أثناء حكم الرئيس بن علي. لا يعرف آرابستا إن كان حسابه قد تعطّل بداية من يوم الجمعة 29 ماي أو السبت 30 ماي. وقد حاول أن يسأل أحد معارفه من موظفي فيسبوك عن أسباب هذا التعطيل، دون جدوى.

وقد صرّح آراباستا لمشكال قائلا: “لم يكن لاتصالي المباشر بفيسبوك أيّة جدوى”. ورغم أن آراباستا قد تلقى هو أيضا إبلاغا من الفيسبوك يعلمه بتعطيل حسابه بصفة نهائية، فإن بعض أصدقائه تمكنوا من تقديم طلبات استئناف لدى اتصالهم بموظفي فيسبوك آخرين.

ويبدو أن الضغط الذي مارسته بعض المنظمات لصالح المدونين قد بدأ يعطي أكله، حيث استرجع كل من المكي وبن حمادي حسابهما أخيرا، واستعاد آرابستا هو الآخر حسابه يوم الأحد 31 ماي.

وكان المعلق السياسي هيثم المكي قد استرجع حسابه بسرعة كبيرة بعد تدخل بعض منظمات المجتمع المدني مثل منظمة “أنا يقظ”؛ ولكن صفحته الرسمية – التي يتابعها ما يقارب 70.000 شخصا، لا تزال معطلة حتى زمن نشر هذا المقال.

وطالت حملة تعطيل الحسابات، حساب الصحفي الفرنسي “بينوا دالما” المقيم في تونس منذ عشر سنوات. وكان ذلك يوم السبت 30 ماي. وقد كتب “دالما” مقالًا حول الموضوع، نُشر في  صحيفةلوبوانالفرنسيّة يوم 31 ماي. وأوضح هذا الصحفي لمشكال أنه استرجع حسابه في غضون خمس إلى سبع دقائق من اتصاله واتصال جريدته بمديرين في مكاتب فيسبوك في فرنسا بغرض الاستفسار عن دواعي تعطيل حسابه. وفي مقابلة أجرتها “مشكال” مع “دالما” يوم 2 جوان، سألناه عمّ إذا كان فيسبوك قد قدّم أي إجابة أو ردّ على المقال، فأكّد لنا أنه إلى حدّ هذه اللحظة لم يقابل طلبه سوى “بالصمت، والصمت التام”.

ووفقا لأحد النشطاء الحقوقيين الذين يعملون على استعادة بعض هذه الحسابات المعطلة، تعرض صحفيان آخران على الأقل لنفس المشكل، وهما صحفي يعمل مع “دويتشه فيله بلاس” وآخر مع “إكسبريس إف إم”.

حسابات الفنانين ورجال وسيدات الأعمال المعطلة

لئن تمكن بعض المدونين والصحفيين من استرجاع حساباتهم، فإنّ محاولات  الأشخاص العاديين الذين لا يملكون نفس التأثير الإعلامي باءت بالفشل.

ومن ضمن هؤلاء الأشخاص العاديين الذين شملتهم الحملة، حمدي التوكابري، الذي يستخدم الاسم الفني “دي جي حمدي رايدر”. إذ لم يعطل الفيسبوك صفحة التوكابري الشخصية فحسب، بل حذف أيضا صفحة مهنية تحت إشرافه اسمها “داون تاون فايبز” وصفحة أخرى لمحبيه. وقال التوكابري لمشكال أن صفحته الشخصية كان فيها 4000 صديق، بينما كان لصفحته المهنية التي تمثل مجموعة فنية 14.000 متابعا، ولصفحة محبيه 2000 متابعا.

وأضاف التوكابري: “أنا أستخدم هذه الصفحات  للإعلان عن الحفلات الموسيقية التي أنظمها؛ فالفيسبوك بالنسبة لي وكما هو الأمر للجميع، يمثّل وسيلة مهمة جدا لتسيير الأعمال؛ فحتى وإن كان لك موقع إنترنت خاص بك، فستظل بحاجة إلى الفيسبوك”.

وأشار التوكابري، أنه وخمسة من الموسيقيين الذين يتعامل معهم، تضرروا ماديا بسبب هذه الحملة؛ أحد هؤلاء الأصدقاء، تونسي مقيم في الخارج، وهذا ما يثير عديد التساؤلات حول هوية الأشخاص الذين تم استهداف حساباتهم يومي 29 و30 ماي.

وأردف التوكابري قائلا: “يعيش العديد من الفنانين ظروفا اقتصادية صعبة منذ ثلاثة أشهر، بسبب فيروس الكورونا؛ واليوم، وبعد أن بدأت الأمور في العودة إلى طبيعتها، ها نحن نفقد صفحاتنا”.

كان التوكابري قد اتصل بمنظمة “أنا يقظ” التي أخذت على عاتقها جمع أسماء الأشخاص المتضررين ومساءلة الفيسبوك حول أسباب الحذف، في محاولة منها لإقناع الشركة بضرورة استرجاع الحسابات المعطلة.

واستنادا لمنسقة المشاريع بمنظمة “أنا يقظ”، هندة فلاح، فقد استعملت المنظمة علاقتها القريبة بفيسبوك بصفتها “شريكا موثوقا به” منذ جانفي 2020، للتدخل في الموضوع؛ ولكن المنظمة أعادت تقييمها للحملة بعد أن نشر مختبر “الدي إف آر لاب” التابع ل”أتلانتيك كاونسل” تحقيقا يوم 5 جوان حول الدعاية الانتخابية التي قامت بها شركة تدعى “يو ريبوتيشن، وبعد أن ربط الفيسبوك حملة تعطيل الحسابات بالممارسات المذكورة في التقرير، في منشور صدر هو الآخر يوم  5 جوان.

قال التوكابري لمشكال: “اتصلت ببعض أعضاء منظمة “أنا يقظ”، فطلبوا مني في البداية أن أرسل لهم روابط الحسابات والصفحات المحذوفة ولكن بعد اطلاعهم على التحقيق المتعلق بشركة  “يو ريبوتيشن”  قرروا إنهاء تدخلهم في الموضوع، ولم تعد المنظمة ترد على اتصالاتي، رغم مساعدتهم لي واتصالهم بي في أول الأمر؛ وفي الفترة الأخيرة، اعترضني منشور لرئيس جمعية “أنا يقظ” يعلن فيه  تخلي الجمعية عن قضية الحسابات المعطلة؛ لذلك فنحن اليوم، بلا دعم أو مساندة”.

ييدو أن التوكابري يقصد أحد المنشورين الذين شاركهما رئيس منظمة “أنا يقظ”، أشرف عوادي، يومي 5 و 6 جوان. فقد قال العوادي في منشور يوم 5 جوان: “أحنا كمنظمة ما يشرفناش نرجعو حسابات ناس ساهمت في تدليس إرادة الناس”. وكان تقرير مختبر “الدي إف آر لاب” قد أشار إلى أن شركة العلاقات العامة  “يو ريبوتيشن” عملت لمصلحة نبيل القروي، أحد المترشحين للانتخابات الرئاسية التونسيّة، والذي كان قد استخدم شبكته الإعلامية الخاصة لتشويه سمعة منظمة أنا يقظ ومضايقة أفراد عائلة قيادييها.

أوضح التوكابري لمشكال في هذا الصدد أن بعض أصدقاء  أصدقائه كانوا على ما يبدو قد اشتغلوا مع شركة  “يو ريبوتيشن”، ولكنه أكّد عدم وجود أيّة علاقة بينه وبين الشركة؛ وأشار إلى وجود حسابات تعامل أصحابها فعلا مع شركة “يو ريبوتيشن”، وتم تعطيلها ثم استرجاعها لاحقًا – وهو ما نفاه أشرف العوادي رئيس منظمة “أنا يقظ” في لقاء تلفزيوني يوم 8 جوان، حيث أكّد أنّ المنظمة لم تطلب من فيسبوك استرجاع أيّة حسابات لها علاقة بالشركة المذكورة.

ومن ضمن المتضررين من الحذف أيضا شخص آخر  يدعى ستيف عبد اللطيف، وهو رجل أعمال يدير مطعماً مشهوراً في تونس. وقد تزامن تعطيل حساباته وتعطيل حسابات ثلاثة من مديري المطعم مع حملة الحذف التي شنّها الفيسبوك. ولكن وعلى عكس بعض الحسابات الأخرى المتضررة، لم يتلق عبد اللطيف إبلاغا بأن القرار “نهائي”، فحاول الطعن في القرار باستخدام الأدوات التي يوفرها الفيسبوك ذاته، لكنه تلقى رسالة بالبريد إلكتروني من الشركة جاء فيها ما يلي: ” شيء ما نشرته يخالف معايير مجتمع الفيسبوك؛ للأسف، لا يمكننا تقديم معلومات إضافية حول سبب تعطيل حسابك، ولن نتمكن من إعادة تنشيطه “.

قال عبد اللطيف لمشكال:”أنا لا أنشر إلا نادرا؛ لم أعد أولي الكثير من الاهتمام لفيسبوك منذ أن أصبح افتراضيا أكثر مما أحتمل؛ لقد أصبح مكتظا جدا”. وأضاف أنه لا يستخدم الفيسبوك إلا إذا احتاج للتواصل مع أشخاص معينين. وصرّح أيضا أن أحد المشرفين الأربعة على الصفحة، استعاد حسابه بسرعة لأنه كان قريبا من أعضاء منظمة “أنا يقظ”.


وعندما سألنا عبد اللطيف عن السبب الذي يمكن أن يكون وراء تعطيل حسابه، أجابنا باحتمال وجود خطأ ما وراء ذلك؛ وأردف قائلا “أنا متأكد من أنهم سيعيدون حسابي. أظن أن حذفه كان من الأضرار الجانبية لأنني في الحقيقة لا أستخدم هذا “الخراء” فقد تيقنت منذ زمن طويل أنني أعيش في دولة رقابة”.

نشير إلى أنّ عبد اللطيف استرجع حسابه في اليوم الموالي بعد أن اتصل في الليلة السابقة بمنظمة “أنا يقظ”، ولكنه ليس متأكدا من الدور الذي لعبته المنظمة في العملية، فقد أعيد له حسابه بعد نصف ساعة فقط من اتصاله بهم. ولكن نشطاء حقوقيين، يؤكدون على تعرض العديد من الأشخاص العاديين الآخرين إلى  تعطيل حساباتهم على الفيسبوك، وإلى عدم تمكن معظمهم من استعادتها إلى الآن.

ردود إدارة فيسبوك

في 4 جوان، وردا على مراسلة من “مشكال”، قدم فريق الاتصالات التابع لفيسبوك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومقره دبي بيانا عبر البريد الإلكتروني أكّد فيه على ضرورة أن تنسب “مشكال” الرد إلى “متحدث باسم شركة فيسبوك” لا غير. ويقول البيان: “بسبب خطأ فني، حذفنا مؤخرا عددا محدودا من الحسابات الشخصية ولكن تمت استعادتها مؤخرا؛ لم تكن نيتنا الحد من حرية أي كان في التعبير والنشر؛ نعتذر عن أي إزعاج تسبب فيه هذا الخلل”.

لقد رفض فيسبوك تحديد عدد الحسابات المسترجعة، ورفض أيضا تقديم مزيد من التفاصيل حول الحسابات التي لم يتم استعادتها؛ ولم يقبل أن يوضح لنا المعايير المستخدمة في اتخاذ قرار الاسترجاع من عدمه؛ ولكن ممثلا عن مكتب فيسبوك في دبي أشار إلى أن الحسابات التي لم يتم استعادتها تدخل في إطار السعي إلى الحد من “السلوك الزائف المنسق” والمقصود هنا هو القيام بحملات دعائية بواسطة فيسبوك.

كما نشر فيسبوك في 5 جوان مزيدا من التفاصيل حول هذا الموضوع في “تقرير ماي 2020 حول السلوك الزائف المنسق“. وأشار التقرير إلى أنه “تم حذف 446 صفحة و 182 حسابا و 96 مجموعة و 60 فعالية و 209 حسابا من تطبيقة إنستغرام”. وورد فيه أيضا أن هذه النشاطات انطلقت من تونس واستهدفت البلدان الفرنكوفونية في أفريقيا جنوب الصحراء”.

وتابع البيان: “لقد استخدم أعضاء هذه الشبكة حسابات مزيفة متنكرين كمواطنين يعيشون في البلدان المستهدفة. إذ أنهم نشروا المحتوى الخاص بهم، وتفاعلوا معه بأنفسهم، ودفعوا الناس إلى مواقع خارج الفيسبوك. أشرف هؤلاء أيضا على مجموعات وصفحات قدمت نفسها على أنها مواقع إخبارية مستقلة وهي في الأصل مجموعات وهمية. وعلاوة على ذلك، استعملت بعض الصفحات وسائل تسويق مخادعة لتنمية الجمهور، إما عبر تغيير موضوع الصفحة من غير السياسي إلى السياسي أو بتغيير اسم الصفحة تغييرا جذريا واستبدال المشرفين مع مرور الوقت. اكتشفنا هذه الشبكة في تحقيق داخلي قمنا به واستنتجنا أن مصدر هذه العمليات هو شركة علاقات عامة مقرها تونس واسمها ‘يو ريبوتيشن'”.

لم يوضح  فيسبوك في هذا البيان المعايير التي تم استخدامها لتحديد علاقة الحسابات والصفحات المحذوفة بشركة “يو ريبوتيشن”. كما يتناقض ما جاء فيه مع المراسلة التي تلقتها مشكال، والتي أكدت فيها الشركة أنّ حذف بعض الحسابات كان “خطأ تقنيا”.

أما الصحفي هيثم المكي فقد أعطى تفسيرا مغايرا لتفسير فيسبوك، فقد قال في برنامج حواري يوم 8 جوان أن “الفيسبوك اعتبر أن كل إنسان صحاب هو وواحد ملي يخدموا في الشركة هذيكا وإلا أدمين معاه في صفحة وإلا مشترك معاه في جروب، وإلا كوناكتا مرة من بحذاه، يعتبر جزء من الشركة”. وهذا حسب رأيه ما يفسر تعطيل حسابه الشخصي، وتعطيل حسابات كثيرة لا علاقة لأصحابها بشركة “يو رييوتيشن”. لم يوضح هيثم المكي كيف توصل إلى هذا التفسير؛ وعندما سألته “مشكال” في وقت لاحق عن ذلك، قال أنه استنتج ذلك بمفرده، وأنه اعتمد جزئيا على مصدر لم يرغب في الكشف عنه.

في نفس الغرض كتبت الناشطتان في مجال الحقوق الرقمية ريما الصغير ومروى فطافطة في مدونةأكساس ناو حيث تعمل فطافطة كمديرة سياسات مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “في غياب أي تفسير مباشر من فيسبوك، لا يمكننا سوى وضع فرضيات، كأن يكون إغلاق الحسابات مثلا من الآثار الجانبية لما يسمى بـ”عملية قرطاج”، خاصة وأن تقرير الفيسبوك عن هذا التحقيق يقر بأن الشركة عادة ما تستخدم ‘أنظمة آلية’  للكشف عن ‘الحسابات المزيفة’ وتعطيلها”.

تجدر الإشارة أن عبارة “عملية قرطاج” غير مستعملة في تقرير فيسبوك الصادر يوم 5 جوان، ولكن تقريرا لمركز “أتلانتيك كاونسل” صدر هو الآخر يوم 5 جوان استعمل هذه العبارة لوصف نشاطات “يو ريبوتيشن”.

وعلى الرغم من أن تقرير الفيسبوك يشير إلى أن شركة “يو ريبوتيشن” قد انخرطت في “سلوك زائف منسق” إلا أنه تمت إعادة تنشيط بعض الحسابات المرتبطة بالشركة المذكورة  بعد أن كانت معطلة في مرحلة سابقة، وهذا حسب أحد النشطاء الحقوقيين الذين يعملون على استعادة الحسابات، وحسب أحد الأشخاص الذين تم تعطيل حسابهم.

تزامن نشر تقرير فيسبوك حول الحملة الدعائية في تونس مع إصدار مختبر الأبحاث الجنائية الرقمية  “الدي إف آر لاب التابع لمركزأتلانتيك كاونسل”  لنتائج تحقيق دام تسعة أشهر حول شبكة تونسية تستخدم الفيسبوك للدعاية، وكان هذا يوم 5 جوان. ويحقق التقرير في حملة أطلق عليها اسم “عملية قرطاج” أدارتها شركة “يو ريبوتيشن”، والتي حاولت على ما يبدو التأثير على انتخابات 2019 في تونس لصالح المترشح للرئاسة الإعلامي نبيل القروي. وقد كان فيسبوك قد كشف في ماي  2019 عن حملة مماثلة قامت بها مجموعةأرخميدسالتي تتخذ من إسرائيل مقراً لها؛ وتبين أن الحملة كانت أيضا في صالح القروي. كما يذكر تقرير مختبر”الدي إف آر لاب” أن هذه الشركة متورطة أيضا في محاولة التحكم في الانتخابات والتأثير عليها في العديد من البلدان الأخرى في أفريقيا.

تواصلت “مشكال” مع “أندي كارفين”، المؤلف الرئيسي والزميل الأقدم في مركز “أتلانتيك كاونسل”، لنسأله عمّ إذا كان حذف فيسبوك للحسابات في تونس محاولة لاستباق نتائج تقرير مختبر “الدي إف آر لاب”، أي قرارا استباقيا لامتصاص الغضب المتوقع للرأي العام حول الدعاية الانتخابية والتلاعب بالانتخابات. ولكن، في رده عبر البريد الإلكتروني، أوضح “كارفين” أنّ مختبر “الدي إف آر لاب” نسّق “التحقيق مفتوح المصدر الذي قام به مع تحقيق فيسبوك الداخلي”، ولهذا “صدرت النتائج في نفس الوقت”.

كما اعتبر “كارفن” أن حملة تعطيل الحسابات الأخيرة التي وقعت في تونس لا علاقة لها بما أسماه “مجموعة بيانات عملية قرطاج”.

وقد كتب “كارفن” في رده لمشكال ما يلي: “نظرا إلى أنّ تعطيل هذه الحسابات البريئة تزامن مع تعطيل الحسابات التابعة لـ”مجموعة بيانات عملية قرطاج” وبما أن هذه الحسابات لم تكن مدرجة في مجموعة البيانات، فإنّنا على يقين من أن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد خطأ”. وحين طلبت “مشكال” رؤية مجموعة البيانات المذكورة، رفض كارفين قائلا أنها “سر مهني” يخص الفيسبوك وأنه يحتاج إلى إذن من الشركة لنشرها.

نشير إلى أنّ مختبر “الدي إف آر لاب” كان قد أعلن عن شراكة مع فيسبوك في 17 ماي  2018وقال حينها الرئيس والمدير التنفيذي لمركز “أتلانتيك كاونسل” “فريدريك كيمبي” أن هذه الشراكة تهدف إلى “دعم جهود أكبر مجتمع افتراضي في العالم في محاولته لتعزيز الديمقراطية”. وتجدر الإشارة إلى أن موقع مركزأتلانتيك كاونسليصنف فيسبوك ضمن  مجموعة صغيرة من كبار المانحين تضمّ خمسة مانحين فقط،  قدم كل منهم أكثر من مليون دولار للمركز سنة 2018.

على صعيد آخر، رفض الفيسبوك الإجابة على سؤال “مشكال” حول طبيعة التعاون والتنسيق بينه وبين الحكومة التونسية. ولكن “مشكال” علمت من شخص يعمل مع الحكومة التونسية أنّ الطرفين ينسقان معا حاليا في مسألة التواصل حول فيروس الكوفيد_19. وكانت “مشكال” قد أشارت في مقال نشر في سبتمبر 2019 أن نشطاء في المجتمع المدني يعتقدون بأن الفيسبوك ينسق مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، ولكن إدارة فيسبوك تجاهلت أسئلة “مشكال” حول مدى تعاونه مع الحكومة التونسية، كما أنّ الهيئة رفضت التعليق على طلب “مشكال”.

يبدو لنا أن تفاعل إدارة فيسبوك مع الاستفسارات والطعون يختلف من موظف إلى آخر ومن قسم إلى آخر؛ فقد حاولت “مشكال” ومجموعة من الأشخاص الذين شملتهم حملة التعطيل الاتصال بالسيد خالد قوبعة، وهو موظف لدى  فيسبوك في تونس ومسؤول عن “السياسة العامة لشمال أفريقيا”، ولكن مساعيهم جوبهت بالصمت أو الرفض. ومقابل ذلك فإنّ تجربة نشطاء المجتمع المدني في التعامل مع موظفي الفيسبوك في  كاليفورنيا وفرنسا، كانت لها نتائج أفضل. كما أنّ تجربة “مشكال” مع مكتب فيسبوك في دبي كانت إيجابيّة، حيث تلقّينا منه ردا رسميا على أحد أسئلتنا في ظرف يومين.

تدخل منظمات المجتمع المدني

خلال الفترة الواقعة ما بين يوم 29 ماي ويوم 5 جوان قام نشطاء المجتمع المدني المهتمون بالشفافية والحقوق الرقمية بحملة ضغط على فيسبوك لاستعادة بعض الحسابات المحذوفة، ونجحوا في إقناع الشركة بإلغاء قرار حذف مجموعة منها.

حصل هذا الضغط من قبل نشطاء المجتمع المدني على فيسبوك بصفتهم كأفراد أو بصفة جماعية، ذلك أنّ بعض المنظمات الحقوقية شاركت بدورها في ذلك على غرار “أنا يقظ”، و”أكساس ناو”، و”ديجيتال سيتيزنشب”، و”سماكس”.

فقد أنشأت ريما الصغير- وهي باحثة وناشطة في الحقوق الرقمية- منصة على الإنترنت تسمح للأشخاص الذين تم تعطيل حساباتهم بإضافة معلوماتهم إلى قاعدة بيانات حتى يستطيع النشطاء الحقوقيون بعد ذلك مساءلة فيسبوك والطعن في قراراته . وأشارت الصغير إلى أن العديد من النشطاء الآخرين قاموا بإجراءات مماثلة لجمع الأسماء والضغط على فيسبوك، وأن العديد منهم نسقوا جهودهم بشكل جماعي.

ومن بين المساهمين في حملة التنسيق لاستعادة الحسابات المحذوفة، نذكر هندة فلاح، وهي منسقة المشاريع في  منظمة “أنا يقظ”. وقد أخبرت هذه المنسقة، “مشكال” أنّ  منظمة “أنا يقظ” التي أضحت “شريكًا موثوقًا” لفيسبوك منذ جانفي 2020 قد قررت استخدام هذه العلاقة للاستفسار حول الحسابات التي تم إلغاؤها.

وعندما سألتها “مشكال” عن دواعي مشاركة منظمة “أنا يقظ” في حملة الضغط، أوضحت فلاح أن المنظمة تخوفت من مرور عملية تعطيل الحسابات بدون أي تفسير وهو ما من شأنه أن يسهل عمليات مماثلة مستقبلا.؛ حيث صرّحت لمشكال قائلة: “إذا حدث ذلك مرة، وتركنا الأمر يمر هكذا بدون أن نعالج المشكلة، فمن المرجح أن نتعرض بدورنا لنفس الشيء؛ كلنا عرضة لهذا”. وأضافت: “يمكن أن يتعرض الجميع لنفس المظلمة دون أي تفسير، لذا فإن الأمر يتعلق بالشفافية”.

قال أشرف العوادي رئيس “أنا يقظ” بدوره في برنامج حواري تلفزيوني في 8 جوان: “راسلناهم قلنالهم إذا ما فماش سبب، يظهرلي الناس هذيا لازم يرجعلهم الكونت فيسبوك متاعهم”. وأضاف قائلا “كمنظمة، بعثت ’أنا يقظ‘ 56 طلب … ومن   28 حساب الي رجعوا في تونس ، فما 22 إلي راسلتهم منظمة ’أنا يقظ‘.”

وتابع العوادي أنه بعد تقريري الفيسبوك ومختبر “الدي إف آر لاب” التابع لمركز “أتلانتيك كاونسل” يوم 5 جوان، أعادت منظمة “أنا يقظ” النظر في الحسابات التي طلبت استرجاعها، ووجدت أنّ 13 حسابا من جملة الحسابات التي راسلت المنظمة  فيسبوك في شأنها كانت قد اشتغلت فعلا لصالح شركة “يو ريبوتيشن”.

وقال العوادي “الحاجة الباهية هو أنّه من الـ13  هذوما، صفر حساب رجع “.

أمّا هندة فلاح فأوضحت بخصوص شراكة منظمة “أنا يقظ” مع فيسبوك : “الفيسبوك هو من اتصل بنا واختارنا. نحن لم نطلب ذلك”؛ ولكن الآن، وبعد أن أصبح لدى المنظمة هذه الشراكة، فإنها تستخدمها “من أجل ما هو خير لتونس”، خاصة مع توسيع “أنا يقظ” لجهودها في التحقق من المعلومات عبر الإنترنت، ذلك أنّ ما يسمى “قناة الشريك الموثوق به” لفيسبوك يسمح بتلقي تقارير الإشراف على المحتوى من قبل المنظمات الشريكة.

وأوضحت مسؤولة “أنا يقظ” أنّ هذا الأمر كان مفيدًا مثلا في إحدى الحالات التي حصلت أخيرا؛ فقد  أبلغتها إحدى معارفها بوجود فيديو منشور على فيسبوك تظهر فيه معاملة سيئة لمجموعة من الأطفال. وأخبرت هذه السيدة التي اتصلت بفلاح أنها أبلغت عن الفيديو لدى فيسبوك حتى تتم إزالته، ولكن طلبها رفض؛ وفي المقابل استجابت إدارة فيسبوك لإبلاغ هندة فلاح بعد أن استخدمت “قناة الشريك الموثوق به”، إذ تمت إزالة الفيديو المذكور بعد سبعة أيام من الإبلاغ عنه.

إلى جانب “أنا يقظ” كانت منظمة “أكساس ناو” من ضمن المنظمات التي طلبت من فيسبوك مراجعة النظر في الحسابات المحذوفة. وحسب مروى فطافطة مديرة سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “أكساس ناو”، فإن غياب  الشفافية في الحملة التي قادها فيسبوك أمر يدعو للقلق. حيث صرّحت لمشكال بالقول بأنّ “’منظمة ”أكساس ناو‘ قلقة بشأن الحقوق الرقمية،وحرية التعبير وحق الأفراد في الوصول إلى الإنترنت، بغض النظر عما إذا كانوا صحفيين أم لا”.

كما نبهت فطافطة من وجود نمط مقلق يتبعه الفيسبوك في الآونة الأخيرة في سوريا يتمثل في تعطيل حسابات المستخدمين والاكتفاء بإصدار توضيحات إعلامية ضعيفة لا تفسر كيفية التعطيل وأسبابها.

وقالت فطافطة لمشكال: “يبدو أن الفيسبوك عطل الحسابات التي تخص نشطاء سورييين.” وأضافت: “إن نقص الشفافية هو أكبر مشكلة نواجهها. لقد تم اتخاذ قرارات تعطيل الحسابات بطريقة غامضة وتعسفية، ولم يسمح فيسبوك للمستخدمين بالطعن … إنه أمر مقلق للغاية؛ فالعديد من الحسابات المعطلة تعود إلى النشطاء الذين وثقوا انتهاكات حقوق الإنسان”.

لاحظت فطافطة أيضًا أن بعض المستخدمين في تونس أفادوا أنهم لم يتمكنوا من الحصول على ميزة “الشارة الزرقاء المحققة” عبر مركز المساعدة الذي يوفره موقع الفيسبوك.

حرب  الإشراف على المحتوى

يبدو أن تونس وسوريا ليستا الدولتين الوحيدتين المتأثرتين بهذه الحملة التي تعوزها الشفافية وتنقصها المحاسبة. فقد لاحظت “جيليان يورك” الموظفة في مؤسسة “إلكترونيك فرونتير فاونديشن” في إحدى تغريداتها الأخيرة ظهور مشاكل جديدة سببها “الإشراف على المحتوى بطريقة موسعة وغير دقيقة”.

وتثير مسألة  الإشراف على المحتوى في فيسبوك جدلا شديدا بين أولئك الذين يطالبون بمراقبة أكثر صرامة لما يسمى “بالأخبار الزائفة” و “السلوك الزائف” و “التدخل في الانتخابات” وأولئك الذين يدعون إلى احترام  الحقوق الرقمية والتعامل الحذر معها.

وفي الفريق الأول نجد العديد من السلطات التي لا تدخر جهدا في مطالبة الفيسبوك بفرض رقابة أكثر صرامة على مستخدميه؛ واكتسبت المسألة أيضا بعدا جيوسياسيا وعسكريا، حيث أكّد السياسيون الأمريكيون وبعض المؤسسات الأمريكية أن روسيا تدخلت بصفة أو بأخرى في الانتخابات الأمريكية سنة 2016، حتى أنّ بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي أصبحوا يتحدثون عن حملة تضليل منسقة على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي عام 2019، أصدر حلف الناتو تقريرا حول ما أسماه “مزودي خدمات التلاعب” المتمركزين في روسيا والذين يبيعون التأثير الرقمي بأسعار بخسة من خلال ممارسة  “نشاط زائف” على وسائل التواصل الاجتماعي. وأشار تقرير حلف الناتو أيضا إلى أن “الإقبال على هذه الخدمة كان لافتًا”، داعيا إلى تنظيم أكثر إحكاما لمثل هذه المواقع.

ويذكرنا هذا الجدل العالمي، بما قام به بعض السياسيين في تونس في محاولة منهم لفرض رقابة قوية ومباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تقدم حزبتحيا تونسفي أواخر شهر مارس بمشروع قانون ينادي بفرض عقوبات جنائية صارمة على كل من يمارس التشهير الإلكتروني“. وقد أدان العديد من النشطاء  والصحفيين والسياسيين هذه المبادرة، معتبرين أنها تستهدف محاربةالأخبار الوهميةظاهريا فقط فهي حسب رأيهم تشكل تهديدا لحرية التعبير. ورغم أن مشروع القانون سرعان ما تم سحبه، فإن  حزب “تحيا تونس” أخذ بزمام المبادرة مرة أخرى بعد صدور تقرير جديد لمختبر “الدي إف آر لاب” حول عمليات الدعاية التي أدارتها شركة “يو ريبوتيشن”. واستعمل حزب “تحيا تونس” هذا التقرير كدليل على ضرورة اتخاذ تدابير أقوى لفرض رقابة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي يوم الأربعاء الموافق ل10 جوان، عقد حزب “تحيا تونس” مؤتمرا صحفيا دعا فيه النيابة العمومية للنظر في القضية التي كشف عنها تقرير مركز “أتلانتيك كاونسل”. وأفادت وكالة تونس أفريقيا للأنباء أن حزب “تحيا تونس” طالب بمراقبة أكثر صرامة لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل “ضمان الإرادة الحرة للناخبين وحماية حقهم في التعبير عن اختياراتهم بحرية ومن أجل حماية العملية الديمقراطية في تونس”.

ومن ناحية أخرى، شددت العديد من منظمات الحقوق الرقمية على ضرورة أن تتحلى شركات وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك بمزيد من الشفافية وأن تكون أكثر قبولا للمساءلة فيما يخص موضوع الإشراف على المحتوى. ففي عام 2018، وقعت أكثر من 100 مؤسسة تعمل على الشفافية والحقوق الرقمية، بما في ذلك مجموعة من المنظمات الدولية، على رسالة مفتوحة دعت فيها فيسبوك إلى أن يكون أكثر شفافية وأكثر قبولا للمساءلة.

بدأت هذه المنظمات الرسالة بإعطاء أمثلة لمؤسسات وأشخاص تضرروا من “سوء تطبيق معايير مجتمع الفيسبوك.” وأكد فيسبوك آنذاك أنه  “يتبع” العديد من توصيات الرسالة وأنه حريص على تطبيقها. ورغم ذلك، لا تزال العديد من منظمات الحقوق الرقمية قلقة من غياب الشفافية في سياسات فيسبوك الاتصالية.

حول هذا الموضوع صرّحت فطافطة، مديرة السياسات في منظمة “أكسيس ناو”وهي أحد المنظمات الموقعة على الرسالة المفتوحة: “يمكن اعتبار  تعريف الفيسبوك لخطاب الكراهية والمحتوى الإرهابي من مظاهر  نقص الشفافية. بالنسبة لفيسبوك، سياسات الإشراف على المحتوى هي سياسات تقديرية تقررها الشركة بمفردها. والمطلوب هنا هو أن تتماشى هذه السياسات مع القانون الدولي لحقوق الإنسان”.

تتضمن معايير مجتمع الفيسبوك تعريفا موسعا للإرهاب يشمل “أي جهة فاعلة غير حكومية تشارك في أو تؤيد أو تقدم دعما كبيرا لأعمال عنف تم التخطيط لها لخدمة أغراض معينة.” ويحيلنا هذا التعريف إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فمن ناحية، هناك دولة معترف بها دوليا ومن ناحية أخرى هناك العديد من الجهات الفاعلة التي يمكن تصنيفها  “جهات فاعلة غير حكومية”.

ووفق وجدي المسلمي، وهو صحفي تونسي في موقع انحياز الإخباري الناطق بالعربية، فإن الفيسبوك سبق وأن عطل كلا من حسابه الشخصي والصفحة الرسمية لموقع انحياز بسبب اتباعهما خطا تحريريا يدعم الجماعات الفلسطينية المسلحة. وأضاف المسلمي أن أول مرة حظر فيها حسابه لمدة 48 ساعة كانت بسبب مشاركته منشورا حول حادثة إسقاط طائرة إسرائيلية مسيرة من قبل جماعة فلسطينية مسلحة وكان ذلك في سبتمبر 2019.

وفي نفس السياق، قال المسلمي أنه بعد هذه الحادثة، تكرر تعطيل حسابه أكثر من مرة لمجرد استعماله لكلمات أو عبارات مثل “المقاومة الفلسطينية” أو لمجرد ذكره لأسماء بعض الجماعات المسلحة. وأضاف المسلمي أنه كان قد تلقى رسالة من الفيسبوك تعلمه بحضر حسابه بحجة “التحريض على الفوضى و الدعاية للجماعات الإرهابية”. ولم يتمكن المسلمي من استعادة حسابه إلا بعد أن قبل بتقديم “طلب تأكيد هوية” لدى الفيسبوك.

وقد أثرت رقابة الفيسبوك أيضا على موقع إنحياز، فقد أعلمنا المسلمي أن الموقع ممنوع من استخدام  ميزة “الفيسبوك لايف”.

وأردف المسلمي قائلا: “لقد تم حظر صفحة موقع انحياز في مناسبات مختلفة. فحتى مجرد تقرير صحفي بسيط حول حركة المقاومة في فلسطين يعتبر سببا لتعطيل الصفحة بالنسبة إليهم”.
وأشار المسلمي إلى أن موقع انحياز ليس الموقع الوحيد الذي تم حظره بسبب اتباعه خطا تحريريا يدعم المقاومة الفلسطينية، إذ تتعرض حسب قوله منصات إعلامية أخرى تستعمل اللغة العربية لنفس المعاملة. بالنسبة للمسلمي، لا يوجد اختلاف كبير بين سياسة الإشراف على المحتوى في فيسبوك والسياسات الأمريكية الرسمية.

أما بالنسبة لفطافطة ” فإنه “من الواضح أن الفيسبوك شركة أمريكية وأنها في أغلب الأحيان تتبع سياسات تتمحور بالأساس حول الولايات المتحدة”. ولكن فطافطة أكدت أيضا أن الحكومات والقوانين المحلية لها تأثير على سياسة الإشراف على المحتوى.

فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، أشارت فطافطة، إلى وجود وحدة إلكترونية مختصة تعمل ضمن وزارة العدل الإسرائيلية وظيفتها الرئيسية إرسال طلبات الحذف لشركات وسائل التواصل الاجتماعي وذلك بهدف إزالة ما تعتبره هذه الوزارة تحريضا على العنف. وأضافت فطافطة أن: “بعض ما يتم إزالته من محتويات في هذه المواقع هو في الحقيقة محتوى بلغت عنه الحكومة الإسرائيلية”.

وفي السياق ذاته، لاحظ بعض النشطاء الحقوقيين أن فيسبوك لا يولي اهتماما كبيرا بصعوبات  الإشراف على المحتوى في منطقتي شمال أفريقيا وغرب آسيا.

فقد صرحت هندة فلاح، منسقة المشاريع في منظمة أنا يقظ، لمشكال: “نحن كمنظمات غير حكومية نشعر بالإحباط بسبب عدم اهتمام فيسبوك بمثل هذه القضايا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”. وأوضحت فلاح أنه من المفروض أن يوفر الفيسبوك المزيد من الموارد لدعم ميزة “مكتبة الإعلانات” في الموقع وذلك حتى يتمكن المستخدم من تتبع مصادر تمويل المحتوى ومعرفة من يقف وراء بعض المنشورات. ففي الوقت الحالي، لا توثق “مكتبة الإعلانات” سوى عدد محدود من مصادر التمويل.

وأشارت فلاح لمشكال أن منظمة أنا يقظ واجهت صعوبة في التعامل مع الفيسبوك أثناء مراقبتها لوسائل التواصل الاجتماعي خلال انتخابات 2019، إذ لم يكن من السهل على المنظمة التحقق من مصادر تمويل التواصل السياسي على الموقع.

ورغم ذلك، فقد أبدا بعض الأشخاص الذين تم تعطيل حساباتهم نوعا من التعاطف مع الفيسبوك بسبب صعوبة الإشراف على المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن هؤلاء المدون “آرابستا” الذي قال لمشكال: “يتجاوز عدد مستخدمي الفيسبوك المليار شخص. وبالتالي فإنه من واجب الشركة الالتزام بتحسين الموقع والمساعدة على نشر المعلومات الصحيحة. وهذا ما يفعلونه الآن. فهم مثلا حريصون على إعطاء الحسابات الرسمية أولوية الظهور على الصفحة الرئيسية. بمقدورهم طبعا أن يكونوا أفضل”.

ولكن مساءلة الحقوقيين للفيسبوك متواصلة.

فقد اختتمت فطافطة والصغير مقالهما في مدونة منظمةأكساس ناو بالقول أن “شركة فيسبوك لم تف بالتزاماتها ولم تعمل على تعزيز الشفافية والمساءلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.”