يسود مدينة تطاوين هدوء حذر بعد نهاية أسبوع صاخبة تخللتها مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين مطالبين بتطبيق “اتفاق الكامور”.
و بعد اعتصام استمر لأكثر من شهرين وشهد مواجهات مع الشرطة أسفرت عن مقتل متظاهر، أبرمت حكومة يوسف الشاهد بوساطة من الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل ، اتفاقا مع تنسيقية اعتصام الكامور في 16 جوان 2017 لحل الأزمة مقابل الاستجابة لمطالب الاحتجاجات المتعلقة بتوفير فرص عمل و تنمية بالجهة.
إلا أنّ تطبيق مختلف بنود الاتفاق أحدث شرخا واضحا بين السلط المركزية و الجهوية والمعتصمين خصوصا في النقاط ذات الصلة بالتشغيل في شركة البيئة و الغراسة والبستنة (حكوميّة) والشركات البترولية و صندوق التنمية و الاستثمار مما أدى إلى استئناف الاحتجاجات.
مداهمات أمنيّة لفض الاعتصام
اندلع فتيل الأزمة في ساعة متأخرة من ليل السبت ، 20 جوان، بعد أن قام الأمن بفض اعتصام عند الجسر المؤدي إلى مخرج المدينة المؤدي للصحراء باستعمال الغاز المسيل للدموع و اعتقال عدد من المحتجين بما فيهم الناطق الرسمي لاعتصام الكامور طارق الحداد.
و أحدث التدخّل الأمني حالة من الاحتقان والسخط لدى الشباب المحتجين بسبب ما يعتبرونه ” عنفا غير مبرّر من أعوان الأمن « بعد أن التزموا بالسلمية خلال مختلف تحركاتهم الاحتجاجية.
وعرفت شوارع تطاوين حالة كرّ وفرّ بين الأمن والمحتجين على امتداد 72 ساعة، استخدم فيها الغاز المسيل للدموع من جانب قوات الأمن التي انتشرت بكثافة وسط المدينة.
و عاين مراسل ” مشكال” استخداما مكثفا للغاز المسيل للدموع ، الأمر الذي أدّى إلى تسجيل حالات اختناق في صفوف عدد من المواطنين رغم ملازمتهم لمنازلهم بسبب قربها من مسرح الاشتباكات.
و برّرت وزارة الداخلية تدخّلها بأنّه كان “للقبض على شخص محل عدة مناشير تفتيش لفائدة هياكل قضائية”.
وأضافت الوزارة ، في بيان لها نُشر بموقعها الإلكتروني مساء الأحد، 21 جوان، أن عددا من المتظاهرين ” حاولوا الاعتداء على المجمع الأمني بالجهة بواسطة الزجاجات الحارقة ‘مولوتوف'”، وأسفرت عن إصابات متفاوتة الخطورة في صفوف أعوان الأمن تطلبت نقلهم إلى المستشفى.
من جهته، أفاد والي تطاوين، عادل الورغي، في تصريح لإذاعة تطاوين ، يوم الأحد الماضي ، إن الاحتجاجات بدأت إثر توقيف ناشط في الاعتصام “مطلوب لدى العدالة”، مضيفا “منذ أكثر من شهر والطرقات مغلقة وخيم الاعتصامات وسط الطريق، وهذا خارج عن القانون” ،حسب تعبيره.
و نفت تنسيقية اعتصام الكامور لموقع “مشكال” الرواية الرسميّة معتبرة أنّهم حافظوا على السلميّة رغم صعوبة الموقف في ظل احساس الجميع بالضيم الذي نالهم.
وأكد القيادي في التنسيقية ، خليفة بوحواش، في تصريح ل” مشكال” ، أنه – على حد علمه – لا توجد قرائن ملموسة على استخدام المتظاهرين للزجاجات الحارقة ” لأنّنا نسعى لنيل حقوقنا وليس للتخريب والدليل أنّ المحلات التجارية والإدارات العمومية عادت إلى العمل بمجرد انسحاب قوات الأمن من المدينة.”
وشدّد بوحواش على أنّ ولاية تطاوين “لا تستحق كل هذا الظلم الذي لحق بها” داعيا الشعب التونسي الى” الوقوف معها في قضيتها العادلة”.
سخط شعبي
أبرز مُعتصمون تحدثوا إلى “مشكال” أنّ التدخّل الأمني كان نهاية حزينة لفصول من المماطلة والتسويف على امتداد السنوات الثلاث الماضية.
و اعتبر الشاب سفيان النصري أنّ الحكومات المتعاقبة تنصلت من اتفاق الكامور الذي بقيت بنوده حبرا على ورق.
و أضاف سفيان ، في تصريح لموقع ” مشكال”، أنّ ” خروج الناس إلى الشارع كان نتيجة طبيعية لتراكمات من القهر والإحساس بالظلم بسبب عدم التزام الدولة بتعهداتها تجاه أبنائها.”
و شدّد ذات المصدر على أنّ القمع البوليسي تجاه الشباب العزّل مثّل القطرة التي أفاضت الكأس لأنّ من أصدر الأوامر لم يستوعب على ما يبدو خصوصية المجتمع المحلّي.
و أشار وسام العمراني ، وهو أحد الشباب المعتصمين، إلى أنّهم يطالبون بتنفيذ مختلف بنود اتفاق الكامور لتمكينهم من مقومات العيش الكريم.
و أضاف وسام ، في تصريح لموقع ” مشكال”، أنّ التصريحات الحكومية المتناقضة عن نسب تنفيذ اتفاق الكامور عمّق الإحساس بالغبن لدى الشباب الذين راوحت وضعيتهم المهنية مكانها منذ 3 سنوات.
ونصب معتصمون، منذ أسابيع، خياماً في مختلف معتمديات ولاية تطاوين، وأغلقوا الطريق أمام الشاحنات التابعة للشركات البترولية، احتجاجا على ما يصفونه ب” تلكؤ الحكومة في تنفيذ بنود اتفاق الكامور”.
و يطالب المحتجون باستكمال انتداب 1500 شخص للشركات البترولية، وتوظيف 500 آخرين في شركة البيئة والبستنة وتخصيص 80 مليون دينار سنويا لصندوق التنمية والاستثمار بالجهة كما ينصّ على ذلك اتّفاق الكامور.
و كشف رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان بتطاوين (جمعية حقوقيّة محليّة) ، زياد الحاجي ، في تصريح لموقع ” مشكال” أنهم ” رفعوا يوم 22 جوان الماضي قضية عدلية ضد كل من رئيس الحكومة ووزير الداخلية و والي تطاوين ورئيس منطقة الأمن وكل من تثبت التحريات مساهمته في الأحداث التي شهدتها ولاية تطاوين مؤخرًا”.
و احتج عدد من أفراد الجالية التونسية المقيمة في فرنسا– أغلبهم أصيلوا ولاية تطاوين- ، خلال زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى باريس ، ونددوا بما وصفوه تنكر الدولة والحكومة لملف الكامور، والتعاطي الأمني مع المعتصمين، ورد سعيد قائلا إنّ “قضية تطاوين هي قضية تونس كلّها”، قبل أن يشتد التدافع وصراخ المحتجين الذين كانوا في انتظاره خارج مبنى السفارة التونسية في باريس للمطالبة بتنفيذ اتفاق الكامور، والذين لم يتركوا له المجال للكلام.
وأبرز الرئيس التونسي في حواره مع قناة “فرانس 24″، إن “الجيش التونسي تدخل خلال الاحتجاجات في تطاوين لحماية المؤسسات”، مضيفا : “قلت للمحتجّين لا تترقبوا المنّة والفضل من السلطة المركزية، وقلت لهم قدموا برامج تنموية. المشكلة أنه ثمة وعود لم يتم الإيفاء بها، وأنا مستعد للقائهم بعد عودتي من باريس لبحث مقاربة جديدة للحل”.
وتزخر ولاية تطاوين باحتياطي هام من النفط والغاز، و تنتشر في صحرائها شركات الطاقة الوطنية والأجنبية، كما تساهم حقولها – وفق أرقام رسمية- بـ40% من إنتاج تونس من النفط، وبـ20% من إنتاجها من الغاز.
يُشار إلى أنّ اعتصام الكامور هو حركة احتجاجية بدأها شباب من مدينة تطاوين منذ نحو ثلاث سنوات، وتطالب بالتنمية و باستفادة المنطقة من عوائد النفط والغاز الطبيعي التي تُعدّ ولاية تطاوين أبرز منطقة منتجة لهما.
وتُنسب تسمية الاعتصام إلى المسلك الفرعي ”الكامور“ الذي تعتمده الشركات العاملة في الصحراء لتزويد المحطات ونقل البترول نحو ميناء جرجيس جنوب شرقي البلاد.
و تتجاوز نسبة البطالة بولاية تطاوين حاجز 32% أي أكثر من ضعف المستوى الوطني (15%) حسب بيانات رسميّة للمعهد الوطني للإحصاء (سنة 2017) ، كما تحظى بدعم أقل من الخدمات العامة مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى ، خصوصا في مجال الرعاية الصحية (المصدر: تقرير منظمة انترناشيونال ألرت سنة 2018) ويرتكز اقتصادها أساسا على التجارة غير النظامية و تحويلات المغتربين و تربية الماشية.
و بعد اطلاق سراح الناطق الرسمي لاعتصام الكامور طارق الحداد يوم 24 جوان، تسود حالة من الترقب في المدينة في انتظار مخرجات المجلس الوزاري الذي اعلنت رئاسة الحكومة عقده يوم الجمعة 26 جوان.